حتى انتظم منها خطوط مستقيمة ولا اختصاص للأكوان بالدلالة على العلم، وإنما الكلام مع الخصم بعد كونه صانعا مختارا والاختيار دليل كونه عالما، واعتراض عليه شرف الدين بن التلمساني بأن الأحكام لا نسلم رجوعه إلى مجرد تخصيص الجواهر بأكوان، بل هو يرجع إلى اختصاص بأكوان وكيفيات خاصة، وضرب من الصفات والأعراض على مقدار - وكل شيء عنده بمقدار - ثم دلالة غير الأحكام من وقوع الفعل على وفق الاختيار، وإن كان مثبجا لا يمنع من دلالة الأحكام عليه، بل دلالة الأحكام أوضح لأنه يدل على العلم بالضرورة والاختيار يدل عليه بالنظر
خصصه بذلك الحيز فالذي خصص الذات بالحيز هو حصولها فيه وحصولها فيه المخصص لها به هو نفس إحكامها (قوله حتى انتظم منها) أي من الجواهر حين خصصت بالأحياز خطوط مستقيمة لأن الخط ما تركب من جوهرين فأكثر عند أهل السنة وعند الحكماء ما نركب من نقطتين فاذا حصل الجوهر في محل مخصوص وحصل جوهر آخر بلصقه انتظم خط وإذا حصل جوهران بلصق ذلك الخط حصل خط آخر وذكر الاستقامة فرض مثال لا للاحتراز عن غير المستقيمة وهي المستديرة والخط المستقيم هو الذي لا يمكن تلاقي طرفيه والمستدير هو الذي يمكن تلاقي طرفيه كالقوس (قوله ولا اختصاص للأكوان الخ) في العبارة حذف والأصل ولا اختصاص لتخصيص الأكوان الجواهر بالأحياز بالدلالة على العلم وهذا محط التضعيف فالأكوان معنى من المعاني فمثلها غيرها كالبياض والسواد فيدل كل منهما على العلم وذلك لأن التخصيص بواحد من لوازم الإرادة والإرادة مستلزمة للعلم، وكذا يقال في غيرها، وحينئذ فتخصيصهم الأحكام بالدلالة لا وجه له على أن الأحكام في حد ّ ذاته لا يدل على العلم بل لأنه مستلزم للإرادة وهي مستلزمة للعلم فهو كغيره لا يدل إلا بملاحظة الاختيار ولا دلالة له بذاته على المطلوب، وحينئذ فالدليل في الحقيقة على المطلوب وهو كونه عالما إنما هو بالاختيار وهذا هو المشار إليه يقول الشارح وإنما الكلام مع الخصم الخ (قوله وإنما الكلام الخ) أي وإنما الدليل الذي يقال للخصم الذي يمنع كونه عالما ويسلم كونه صانعا مختارا (قوله بعد كونه الخ) أي بعد تسليم الخصم ذلك، وقوله: والاختيار الخ هذا هو الكلام مع الخصم (قوله لا نسلم الخ) في الكلام حذف. والأصل لا نسلم رجوعه إلى مجرد تخصيص الأكوان الجواهر بأكوان: أي أحياز، وإنما فسر أكوان بأحياز لأن الامام يقول الأحكام عبارة عن تخصيص الأكوان الجواهر بأحيازها (قوله بل الخ) أي وإذا كان الأحكام يرجع إلى حصول الجوهر في هذا المكان دون غيره وإلى كونه أبيض أو أسود مثلا كان دالا بذاته على ثبوت العالمية للصانع من غير التفات للإرادة (قوله إلى اختصاص) أي اختصاص الجواهر (قوله بأكوان) أي حيزات (قوله وكيفيات) أي أعراض وصفات، وقوله: وضرب الخ عطف تفسير (قوله على مقدار) أي حال كون الجميع كائنا على مقدار (قوله دلالة غير الأحكام) أي على العلم (قوله من وقوع الفعل) بيان لغير الأحكام (قوله مثبجا) أي غير متقن (قوله عليه) أي العلم (قوله لأنه يدل ّ على العلم بالضرورة) أي فلا يحتاج لدليل إذ من المعلوم بداهة أنه لا يحكم الفعل ولا يبرزه في غاية الكمال إلا العليم الحكيم، وإذا كانت دلالة الأحكام على العلم بالضرورة اندفع اعتراض