ذلك من شطحات تنقل عن بعضهم كقولهم: ما في الجبة إلا الله، وأنا الحق ونحو ذلك، وبعض علماء الطريق يتأوّل لهم وينزههم عن القول بمثل هذه المقالة، ويقول إن السالك ربما طرأت عليه حالة لا يشاهد فيها غير الله تعالى، فتغيب نفسه عنه فضلا عن غيرها، ويعبرون عن هذه الحالة بالفناء، فيجري على لسانه مثل هذه الألفاظ وهي حالة سكر وغلبة، وإذا رجع إلى صحوه واحساس نفسه لم يصدر منه شيء من ذلك ويعذر بذلك، ومنهم من آخذهم بذلك وحكم بالقتل كفتوى الجنيد في الحلاج (قوله: أو محاذيا له) أي قريبا منه قرب اتصال حتى يكون الجرم مكانا له يتمكن عليه، أو قرب انفصال حتى يكون في جهة له، وكلاهما محال لأنهما من خواص الأجرام (قوله: أو في جهة له) أي للجرم، فليس فوق شيء من العالم ولا تحته ولا أمامه ولا خلفه ولا عن يمينه ولا عن شماله، لأن الجهة تستلزم التحيز وكل متحيز فهو جرم، والله جل وعلا ليس بجرم، وقد سبق بيانه ولم يقل بالجهة إلا طائفتان من المبتدعة، وهم الكرامية والحشوية، وعينوا من الجهات جهة فوق. ثم اختلفت الكرامية بعد ذلك، فمنهم من قال: إنه مماس للعرش، تعالى عن ذلك، ومنهم من زعم أنه مباين له. ثم اختلف هؤلاء، فمنهم من زعم أنه مباين بمسافة متناهية،
سند لقوله: وعزى الخ (قوله ذلك) أي الاتحاد (قوله من شطحات) جمع شطحة، هي الأقوال التي تصدر عن الشخص في حالة الغلبة والخروج عن الاحساس، وتطلق في عرف الصوفية على حالة الخروج عن الاحساس والغلبة، والمراد هنا الأوّل (قوله ما في الجبة إلا الله) من المعلوم أن الذي في الجبة ذات القائل فيكون الله اتحد به (قوله ونحو ذلك) كقول بعضهم سبحاني ما أعظم شأني، وقول آخر: أنا من أهوى ومن أهوى أنا (قوله بمثل هذه المقالة) أي القول بالاتحاد لا الألفاظ المشعرة به فإنها واقعة منهم قطعا (قوله إن السالك) أي في طريق القوم وهو من أفيضت عليه المعارف والكمالات بغتة أو باستعمال الذكر (قوله ربما طرأت الخ) بأن يزيل الله عنه الحجاب فيشاهد ذاته العلية فيدهش عن كل شيء مغاير لها ... (قوله عنه) أي عن نفسه (قوله بالفناء) أي فناء ذاته رأسا (قوله ومنهم الخ) عطف على قوله وبعض علماء الخ (قوله بذلك) أي بما صدر منهم من القول المشعر بالاتحاد (قوله أي قريبا منه) تفسير مراد إذ المحاذاة في الأصل المقابلة (قوله حتى يكون الخ) لا وجه لهذا التفريع لأنه لا يلزم من اتصاله بالجرم كون الجرم مكانا له لأن اتصاله بالجرم يصدق بكونه بجانبه ملاصقا له (قوله الجرم) كالعرش (قوله يتمكن) أي يستقر (قوله أو قرب انفصال حتى يكون الخ) وعلى هذا فذكر الجهة بعد من ذكر الخاص بعد العام للرد ّ على المخالف ... (قوله وكلاهما) أي المكان والجهة (قوله محال) أي على الله (قوله لأنهما الخ) أي والمولى ليس بجرم (قوله فليس فوق شيء الخ) أي فلا يلزم من نفي هذه الجهات نفي الاله إذ لا يتقيد بذلك إلا الأجرام والمولى ليس بجرم (وقد سبق بيانه) أي بيان أنه ليس بجرم لأن الجرم ملازم للحركة والسكون الحادثين فيكون حادثا والمولى ليس بحادث والجرم حادث فالمولى ليس بجرم، ويحتمل أن ضمير بيانه لاستلزم الجهة للتحيز وما بعده (قوله الكرامية) بتشديد الراء طائفة منسوبة إلى محمد بن كرّام القائل إن معبوده فوق العرش وأنه جوهر، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا (قوله مباين له)