فهرس الكتاب
الصفحة 165 من 517

ومنهم من زعم أنه مباين بمسافة غير متناهية، والحشوية حملت الاستواء في الآية على ظاهره، وامتنعت من التأويل، وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام على بعض ما أشكل من ظاهر القرآن والحديث في موضع أليق به من هذا (قوله: أو مرتسما في خياله) الضمير يعود على الجرم: أي إن كان له خيال لأنه لا يرتسم في الخيال إلا الأجرام وأعراضها. وبالجملة فقد قامت البراهين القطعية على وجود الذات العلية موصوفة بصفات كاملة لا يحاط بها، وعلى قيامه جل وعلا بنفسه واستحالة مماثلته تعالى لكل ما يخطر بالبال واستحالة اتصافه بكل ما يستلزم مماثلته للحوادث والعجز بعد هذا عن الادراك واجب ولا يعرف الله إلا الله جل وعلا، وأنشد أبو الفتح:

لعمري لقد طفت المعاهد كلها ... وسرحت طرفي بين تلك المعالم

فلم أر إلا واضعا كف حائر ... على ذقن أو قارعا سن ّ نادم

(قوله: لأن ذلك كله يوجب مماثلته للحوادث) أي مساواته لها في صفاتها النفسية، لأن كل موجودين: إما أن يتساويا في صفة النفس أولا، فإن تساويا فهما مثلان، وإن لم يتساويا في صفات النفس فلا يخلو: إما أن يصح اجتماعيا أولا، فإن لم يصح فضدان، وإن صح فخلافان وكل مثلين فإنه يلزم استواؤهما في كل ما يجب لأحدهما وفي كل ما يجوز عليه

أي منفصل عنه (قوله على ظاهره) هو الاستقرار عليه (قوله ما أشكل الخ) نحو الرحمن على العرش استوى (قوله في خياله) يحتمل أن المراد بالخيال العقل، ويحتمل أن المراد به القوة التي يرسم فيها صور المحسوسات المتأدية إليها من طريق الحواس (قوله إن كان له) أي للجرم كالإنسان (قوله إلا الأجرام وأعراضها) أي إلا صورهما بعد رؤيتهما (قوله القطعية) وصف كاشف (قوله موصوفة) حال (قوله كاملة) أي تدل على كماله (قوله لا يحاط بها) أي لا كما ولا كيفا فهي غير متناهية في نفس الأمر والمولى يعلمها تفصيلا (قوله لكل ما يخطر بالبال) أي من الأجرام والأعراض (قوله بعد هذا) أي قيام البراهين على وجود ذاته العلية وقيامه بنفسه الخ (قوله عن الادراك) أي ادراك حقيقة الاله (قوله واجب) أي أمر لا بد ّ منه ولا محيد عنه لا أنه واجب وجوب تكليف إذ ليس باختياري (قوله لعمري) العمر الحياة، والمراد بالعاهد والمعالم الأدلة الموصلة لمعرفة الله، والمراد بالطوفان بها الاحاطة بها والتصرف فيها يذهنه، والمراد بالطرف البصيرة لا البصر ووضع الكف على الذقن كناية عن الحيرة لأن هذا شأن المتحير عادة، وقرع السن ّ كناية عن الندم، وكأنه يقول لحياتي لقد اطلعت على الأدلة وتصرف ذهني فيها وسرحت بصيرتي فيها فلم أدرك الكنه ولم أر إلا شخصا حائرا في تفكيره في حقيقة المولى فلم يعلمها أو شخصا ضيع عمره في حقيقة المولى

فلم يعملها ثم ندم على ذلك ورجع لاعتقاد أنه لا يعلم الله إلا الله (قوله أي مساواته لها الخ) أي فالمراد بالمماثلة ما ذكر لا المشاركة وإلا لصدق بالمتباينين (قوله لأن كل موجودين الخ) علة لتفسير المماثلة بما ذكره (قوله فهما مثلان) كزيد وعمرو (قوله فصدّان) كالبياض والسواد (قوله فخلافان) كالضحك والكتابة (قوله وكل مثلين) أي كزيد وعمرو، ولما أفاد معنى المتساويين أفاد هنا حكما آخر، وإن كان

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام