إن الصحابة قد سمعوا من النبي، صلى الله عليه وسلم، من الأحاديث الكثيرة، ورأوا منه من الأحوال المشاهدة، وعلموا بقلوبهم من مقاصده ودعوته ما يُوجب فهم ما أراد بكلامه ما يتعذر على مَنْ بعدهم مساواتهم فيه، فليس من سمع وعلم، ورأى حال المتكلم كمن كان غائبا لم ير ولم يسمع، أو سمع وعلم بواسطة أو وسائط كثيرة. وإذا كان للصحابة من ذلك ما ليس لمن بعدهم، كان الرجوع إليهم في ذلك دون غيرهم متعينًا قطعًا. ولهذا قال الإمام أحمد: أصول السنة عندنا التمسّك بما كان عليه أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم. ولهذا كان اعتقاد الفرقة الناجية هو ما كان عليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، كما شهد لهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بذلك في قوله:"من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي". فثبت بهذه الوجوه القاطعة عند أهل البصائر -وإن كانت دون الظنية عند عمى القلوب- أن الرجوع إليهم في تفسير القرآن الذي هو تأويله الصحيح المبِّين لمراد الله هو الطريق المستقيم. ثم من المعلوم أن التابعين بإحسان أخذوا ذلك عن الصحابة، وتلقوه منهم، ولم يعدلوا عما بلغهم إياه الصحابة) [1] ا. هـ.
(1) مختصر الصواعق المرسلة ج2 ص335 وبعدها بتصرف.