قال المحقق [1] في إعلام الموقعين: فعُلم بهذا أن الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- أولى الأمة بالإصابة فيما ثبت عنهم، فإنهم كانوا أبر قلوبًا، وأعمق علمًا، وأقل تكلفًا، وأقرب إلى أن يوفقوا للصواب من غيرهم بما خصهم الله به من توقد الأذهان، وفصاحة اللسان، وسعة العلم، وسهولة الأخذ، وحسن الإدراك وسرعته، وقلة المعارض أو عدمه، وحسن القصد، وتقوى الرب، فالعربية طريقتهم وسليقتهم، والمعاني الصحيحة مركوزة في فطرهم وعقولهم، ولا حاجة بهم إلى النظر في الإسناد وأحوال الرواة وعلل الحديث والجرح والتعديل، ولا إلى النظر في قواعد الأصول، وأوضاع الأصوليين، فقد أغنوا عن ذلك كله، فليس في حقهم إلا أمران: أحدهما: قال الله- تعالى -كذا، و قال رسوله كذا، والثاني: معناه كذا وكذا، وهم أسعد الناس بهاتين المقدمتين، وأحظى الأمة بهما، فقواهم متوافرة مجتمعة عليها. فإنهم -أي الصحابة الكرام- قد شاهدوا وصحبوا المختار، وعاينوا في صحبتهم للنبي، صلى الله عليه وسلم، الأسرار القرآنية؛ وعلموا من الحضرة النبوية، وعلموا التنزيل و أسبابه، والتأويل وآدابه؛ وعاينوا الأنوار القرآنية؛ والأشعة المصطفوية؛ فهم أسعد الأمة بإصابة الصواب، وأجدرها بعلم فقه السنة والكتاب) [2] ا. ه.
ويقول الإمام ابن القيم:(و إنما يحسن الاستدلال على معاني القرآن بما رواه الثقاة عن الرسول، صلى الله عليه وسلم، ورثة الأنبياء، ثم يتبعون ذلك بما قاله الصحابة والتابعون أئمة الهدى. وهل يخفى ذلك على ذي عقل سليم، أن تفسير القرآن بهذا الطريق خير مما هو مأخوذ عن أئمة الضلال، وشيوخ التجهم والاعتزال، كالمريسي و الجبائى، والنظام والعلاف، وأضرابهم من أهل التفرق والاختلاف، الذين أحدثوا في الإسلام ضلالات وبدعا، وفرقوا دينهم وكانوا شيعا، وتقطعوا أمرهم بينهم كل حزب بما لديهم فرحون.
فإذا لم يجز تفسير القرآن وإثبات ما دلَّ عليه، وحصول العلم اليقين بسنن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الصحيحة الثابتة، وكلام الصحابة وتابعيهم، أفيجوز أن يرجع في معاني القرآن إلى تحريفات جهم وشيعته، وتأويلات العلاف و النظام الجبائي والمريسي وعبد الجبار وأتباعهم من كل أعمى، أعجمي القلب واللسان، بعيد عن السنة والقرآن، مغمور عند أهل العلم والإيمان؟!. . .) [3] .
(1) يقصد بالمحقق الإمام ابن القيم -رحمه الله-.
(2) مختصر لوامع الأنوار البهية ص525 وبعدها بتصرف يسير (مختصر لوامع الأنهار البهية) ، للشيخ محمد بن سلوم. وهو مختصر كتاب محمد بن سالم السفاريني (لوامع الأنوار البهية) الذي هو شرح لكتابه (الدرة المضيئة في عقيدة الفرقة المرضية) . طبعة المدني. وراجع -أيضاً- شرح الطحاوية ص464 وبعدها. وفيه أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال:"خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم". قال عمران أحد رواة الحديث: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة. (الصحيحان) .
(3) مختصر الصواعق المرسلة ج2 ص335.