فهرس الكتاب
الصفحة 171 من 222

* وكذلك نعلم أن خلقاً لا يُعاقبون في الدنيا مع أنهم كفار في الآخرة، مثل أهل الذمة المقرين بالجزية على كفرهم، ومثل المنافقين المظهرين الإسلام، فإنهم تجري عليهم أحكام الإسلام وهم في الآخرة كافرون .. وهذا لأن الجزاء في الحقيقة إنما هو في الدار الآخرة التي هي دار الثواب والعقاب، وأما الدنيا فإنما يُشرع فيها العقاب ما يدفع به الظلم والعدوان .. وإذا كان الأمر كذلك فعقوبة الدنيا غير مستلزمة لعقوبة الآخرة، ولا بالعكس. ولهذا أكثر السلف يأمرون بقتل الداعي إلى البدعة الذي يضل الناس لأجل إفساده في الدين، سواء قالوا: هو كافر أو ليس بكافر) ج12 ص500.

* (ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة، أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة، فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين. حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك، أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين، هذا أفضل. فبين أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم، من جنس الجهاد في سبيل الله، إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين، وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب، فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعاً، وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء) ج28 ص231، 232.

* (وأعداء الدين نوعان: الكفار، والمنافقون. وقد أمر الله نبيه بجهاد الطائفتين .. فإذا كان أقوام منافقون يبتدعون بدعاً تخالف الكتاب، ويلبسونها على الناس، ولم يتبين للناس: فسد أمر الكتاب، وبدل الدين، كما فسد دين أهل الكتاب قبلنا بما وقع فيه من التبديل الذي لم ينكر على أهله. وإذا كان أقوام ليسوا منافقين، لكنهم سماعون للمنافقين: قد التبس عليهم أمرهم حتى ظنوا قولهم حقاً، وهو مخالف للكتاب، وصاروا دعاة إلى بدع المنافقين ... فلا بد أيضاً من بيان حال هؤلاء، بل الفتنة بحال هؤلاء أعظم، فإن فيهم إيماناً يوجب موالاتهم، وقد دخلوا في بدع من بدع المنافقين التي تفسد الدين، فلا بد من التحذير من تلك البدع، وإن اقتضى ذلك ذكرهم وتعيينهم، بل ولو لم يكونوا قد تلقوا تلك البدعة عن منافق، لكن قالوها ظانين أنها هدى، وأنها خير، وأنها دين، ولم تكن كذلك، لوجب بيان حالهم) ج28 ص232، 233.

* (ولهذا وجب بيان حال من يغلط في الحديث والرواية، ومن يغلط في الرأي والفُتيا، ومن يغلط في الزهد والعبادة، وإن كان المخطئ المجتهد مغفوراً له خطؤه، وهو مأجور على اجتهاده. فبيان القول والعمل الذي دل عليه الكتاب والسنة واجب، وإن كان في ذلك مخالفة لقوله وعمله. ومن عُلم منه الاجتهاد السائغ فلا يجوز أن يذكر على وجه الذم والتأثيم له، فإن الله غفر له خطأه، بل يجب لما فيه من الإيمان والتقوى موالاته ومحبته، والقيام بما أوجب الله من حقوقه: من ثناء ودعاء وغير ذلك. وإن علم منه النفاق كما عرف نفاق جماعة على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم .. وكما علم المسلمون نفاق سائر الرافضة .. فهذا يذكر بالنفاق. وإن أعلن بالبدعة، ولم يعلم هل كان منافقاً أو مؤمناً مخطئاً ذكر بما يعلم منه، فلا يحل للرجل أن يقفو ما ليس له به علم. ولا يحل له أن يتكلم في هذا الباب إلا قاصداً بذلك وجه الله تعالى، وأن تكون كلمة الله هي العليا، وأن يكون الدين كله لله. فمن تكلم في ذلك بغير علم أو بما يعلم خلافه كان آثماً) ج28 ص233، 234.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام