* (وأُصُولُهُمْ خَمْسَةٌ -أي المعتزلة - يُسَمُّونَهَا: التَّوْحِيدَ، وَالْعَدْلَ، وَالْمَنْزِلَةَ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ، وَإِنْفَاذَ الْوَعِيدِ، وَالْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ.
* لَكِنَّ مَعْنَى (التَّوْحِيدِ) عِنْدَهُمْ يَتَضَمَّنُ نَفْيَ الصِّفَاتِ ..
وَمَعْنَى (الْعَدْلِ) عِنْدَهُمْ يَتَضَمَّنُ التَّكْذِيبَ بِالْقَدَرِ، وَهُوَ خَلْقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ، وَإِرَادَةُ الْكَائِنَاتِ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى شَيْءٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُنْكِرُ تَقَدُّمَ الْعِلْمِ وَالْكِتَابِ ..
* وَأَمَّا (الْمَنْزِلَةُ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ) فَهِيَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْفَاسِقَ لَا يُسَمَّى مُؤْمِنًا بِوَجْهِ مِنْ الْوُجُوهِ، كَمَا لَا يُسَمَّى كَافِرًا، فَنَزَّلُوهُ بَيْنَ مَنْزِلَتَيْنِ!! و (إنْفَاذُ الْوَعِيدِ) عِنْدَهُمْ مَعْنَاهُ: أَنَّ فُسَّاقَ الْمِلَّةِ مُخَلَّدُونَ فِي النَّارِ، لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا بِشَفَاعَةِ وَلَا بغَيْرِ، كَمَا تَقُولُهُ الْخَوَارِجُ.
و (الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ) . يَتَضَمَّنُ عِنْدَهُمْ جَوَازَ الْخُرُوجِ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَقِتَالِهِمْ بِالسَّيْفِ) ج13 ص386.
* (وَلَمْ يَكُنْ النَّاسُ إذْ ذَاكَ أَحْدَثُوا شَيْئًا مِنْ نَفْيِ الصِّفَاتِ، إلَى أَنْ ظَهَرَ(الْجَعْدُ بْنُ دِرْهَمٍ) ، وَهُوَ أَوَّلُهُمْ، فَضَحَّى بِهِ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ .. ثُمَّ ظَهَرَ جَهْمُ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَشْرِقِ مِنْ تِرْمِذَ، وفيهَا ظَهَرَ رَايُ جَهْمٍ .. وَإِنَّمَا اشْتَهَرَتْ مَقَالَتُهُمْ مِنْ حِينِ مِحْنَةِ الْإِمَامِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ مِنْ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ، فَإِنَّهُمْ فِي إمَارَةِ الْمَامُونِ قووا وَكَثُرُوا .. وَكَانَ ابْنُ أَبِي دؤاد قَدْ جَمَعَ لَهُ نفاة الصِّفَاتِ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ. وَعُلَمَاءَ السُّنَّةِ كَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَأَحْمَد وَإِسْحَاقَ وَالْبُخَارِيِّ، يُسَمُّونَ هَؤُلَاءِ جَمِيعَهُمْ جهمية.
* وَصَارَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد وَغَيْرِهِمْ يَظُنُّونَ أَنَّ خُصُومَهُ كَانُوا هُمْ الْمُعْتَزِلَةَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُعْتَزِلَةُ نَوْعٌ مِنْهُمْ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا: أَنَّ جَهْمًا اشْتَهَرَ عَنْهُ بِدْعَتَانِ:
(إحْدَاهُمَا) : نَفْيُ الصِّفَاتِ.
وَ (الثَّانِيَةُ) : الْغُلُوُّ فِي الْقَدَرِ وَالْإِرْجَاءِ. فَجَعلَ الْإِيمَانَ مُجَرَّدَ مَعْرِفَةِ الْقَلْبِ. وَجَعَلَ الْعِبَادَ لَا فِعْلَ لَهُمْ وَلَا قُدْرَةَ.
وَهَذَانِ مِمَّا غَلَتْ الْمُعْتَزِلَةُ فِي خِلَافِهِ فِيهِمَا .. وَجَهْمٌ لَا يُثْبِتُ شَيْئًا مِنْ الصِّفَاتِ: لَا الْإِرَادَةَ وَلَا غَيْرَهَا .. وَشَاعَ هَذَا الْقَوْلُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الصُّوفِيَّةِ، فَوَافَقُوا جَهْمًا فِي مَسَائِلِ الْأَفْعَالِ وَالْقَدَرِ. وَخَالَفُوهُ فِي الصِّفَاتِ) ج8 ص228 - 230.