فهرس الكتاب
الصفحة 10 من 222

لقد خلق الله -سبحانه وتعالى- الإنسان في هذه الحياة مِنْ أجْلِ غَايةٍ مُحَدَدّةٍ، وَوَظِيَفةٍ معينةٍ، ومهمة مقّررة، وسخر له ما في الأرض جميعا من بحار وأنهار، ورياح وأمطار، وجبال ووديان، وحيوان ونبات، إلى سائر مخلوقات الله -عز وجل -في أرضه. بل وألهمه الكشف عن بعض قوانين الطبيعة ونواميس الحياة، كيما يصبح الإنسان أهلاً لهذه الغاية المهمة التي من أجلها خلقه الله- تعالى- فالغاية عظيمة، والمهمة شاقة، والأمانة ثقيلة، حتى لقد أشفقت منها السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها. قال تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ) [سورة الأحزاب، الآية: 72] [1] .

إن هذه الغاية العظيمة والمهمة الشاقة، والأمانة الثقيلة التي حملها الإنسان، وانفرد بها دون سائر المخلوقات والكائنات هي خلافة الله في أرضه. إنَّ رب الأرباب، وملك الملوك، وجبار السموات والأرض قد خَلَقَ الِإنسان مِنْ أجل أَنْ يستخلفه في أرضه، ويجعله مسئولا أمامه عما جعله مُستَخلفًا فيه.

يقول الله- عز وجل- مخبرا الملائكة عن المهمة التي من أجلها خلق الإنسان، (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) [سورة البقرة، الآية: 30] .

يقول الإمام الطبري:"إني جاعل في الأرض خليفًة مني، يخلفني في الحكم بين خَلْقِي، وإن ذلك الخليفة هو آدم، ومن قام مقامه في طاعة الله، والحكم بالعدل بين خلقه" [2] . أهـ.

ويقول ابن كثير:"فهموا من الخليفة أنه الذي يَفْصِلُ بين الناس ما يقع بينهم من المظالم ويردعهم عن المحارم و المآثم، قاله القرطبي" [3] .

ثم يقول:"وقد استدل القرطبي وغيره بهذه الآية على وجوب نصب الخليفة ليفصل بين الناس فيما اختلفوا فيه، ويقطع تنازعهم، وينتصر لمظلومهم من ظَالِمِهم، ويقيم الحدود، ويزجر عن تعاطي الفواحش، إلى غير ذلك من الأمور المهمة التي لا يمكن إقامتها إلا بالإمام، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب" [4] .

(1) يقول ابن عباس: (الأمانة هي الطاعة) . ويقول ابن كثير: (إنها التكليف، وقبول الأوامر والنواهي بشرطها، وهو أنه إن قام بذلك أُثيب، وإن تركها عوقب) .أهـ. راجع تفسير ابن كثير ج6 ص 477 ط. الشعب.

(2) تفسير ابن كثير ج 1 ص 70 دار المعرفة.

(3) تفسير ابن كثير ج 1 ص 69 دار المعرفة.

(4) تفسير ابن كثير ج 1 ص72 دار المعرفة.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام