بما في ألسنتهم، وهذا المريض القلب المرتاب هو من القائلين في القبر عند سؤال الملكين «لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته» إذ هذا حال قلبه في حياته وعند موته، واللسان في ذلك الموطن لا يترك كما في الدنيا أن يتشبع بما ليس في القلب. قال ابن دهاق رحمه الله ورضي عنه في شرح الارشاد لما تكلم على فتنة الملكين في القبر وساق الحديث وفي آخره «وأما المنافق أو المرتاب فيقول لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته، فيقولان له لا دريت ولا تليت ويضر بأنه بالمقمع من الحديد فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الجن ّ والإنس» وفي حديث «إلا الثقلين الجن ّ والإنس» وفي الحديث المشتمل على عذاب القبر في وصف الملكين «أنهما أسودان أزرقان ينحتان الأرض بأنيابهما ويطآن في شعورهما وأعينهما كالبرق الخاطف وأصواتهما كالرعد القاصف» قال رحمه الله: وهذه الفتنة فتنة القبر لا ينجو منها من أخذ في دينه التقليد وترك النظم في أدلة الرسالة والتوحيد
أليم - فكذلك هذا الذي وقع الشك في قلبه والتحيز لا ينفعه أن يصمم بلسانه ويكابر وليس مراده تفسير الآية بذلك كما فسر به المعتزلة بناء على مذهبهم من أن الله لا يخلق الشر فأخرجوا الآية عن ظاهرها ولا مانع عند أهل السنة من إبقائها على ظاهرها إذ هو الخالق للخير والشر (قوله المرتاب) تفسير لما قبله (قوله واللسان الخ) جملة مستأنفة أتى بها جوابا عما يقال يمكن أن يقول للملكين أنا مؤمن مخالفا لما في قلبه فكيف يقال إن هذا حاله عند موته (قوله أن يتشبع) أي يملأ فمه: أي ينطق ويتكلم (قوله قال الخ) دليل لما قبله، وهو أن اللسان في ذلك الموطن لا يقدر أن ينطق بما ليس في القلب بخلافه في دار الدنيا (قوله في القبر) أي الكائنة فيه (قوله وساق الحديث) أي المتعلق بذلك (قوله وفي آخره) الواو للحال (قوله أوالمرتاب) أو للشك من الرواي، والمرتاب من لا جزم معه (قوله فقلته) أي من غير معرفة (قوله لا دريت) من الدراية بمعنى العلم: أي لا علمت، وقوله: ولا تليت قياسه تلوت من تلا يتلو أبدلت الواو ياء لمشاكلة دريت: أي لا تبعث من يعلم، ويؤخذ منه أن من قلد وتبع من يعلم نجا فيعكر على مذهب المصنف من أن المقلد غير ناج (قوله بالمقمع) بكسر الميم الحديدة التي تضرب بها (قوله إلا الثقلين) لثقل الأرض بهما إذ هما عمارها أو لثقلهما بالتكاليف فكأنها فوقهم مثقلة لهم (قوله الجن ّ والإنس) بدل من الثقلين: أي وأما هما فلا يسمعان تلك الصيحة ولو سمعاها لكان إيمانهما بالمشاهدة (قوله وفي الحديث) خبر مقدم، وقوله: أنهما الخ مبتدأ مؤخر (قوله أسودان أزرقان) أي أنهما قام بهما سواد مشوب بزرقة، أو المراد أسودان من جهة الجسم أزرقان من جهة الأعين (قوله ينحتان الخ) بكسر الحاء: أي يحفران الأرض بأنيابهما فيدخلان القبر (قوله ويطآن) أي يمشيان على شعورهما فهي لطولها نازلة عن الأرض (قوله كالبرق) أي في اللمعان، وقوله: الخاطف: أي الذي يخطف الأبصار، وقوله: القاصف: أي الذي يقصف الجسم ويقطعه (قوله وهذه الفتنة الخ) مقول قول ابن دهاق السابق وأعاد قوله قال رحمه الله تأكيدا لطول الفصل بين القول والمقول وما بينهما اعتراض، وقوله: الفتنة: أي المحتوية على لا أدري (قوله أخذ) أي تمسك أو رضي ليصح تعديته بالباء (قوله في أدلة الرسالة) هي