كلام ابن الخطيب وجده في تقرير الشبه أشدّ منه في الانفصال عنها، وفي هذا مالا يخفى. أنشدني شيخي أبو عبد الله الأبلي. قال أنشدني عبد الله بن محمد بن ابراهيم الزموري. وقال أنشدني تقي الدين بن تيمية لنفسه شعرا:
محصل في أصول الدين حاصله ... من بعد تحصيله علم بلا دين
أصل الضلالة في الافك المبين فما ... فيه فأكثره وحي الشياطين
قال: وكان بيده قضيب، فقال لو أدركت فخر الدين لضربته بقضيبي هذا على رأسه اهـ. ... قلت: فلعل الفخر رحمه الله تعالى حضر له عند الموت من الشبه التي عسر عليه الانفصال عنها ما حمله الخوف منه أن تمنى أن يكون في درجة الاعتقاد التقليدي، لأن رأيه فيه أنه كاف، وقد روى عنه أنه أنشد عند الموت شعرا:
نهاية أقدام العقول عقال
(قوله كلام اين الخطيب) المراد به الفخر الرازي لأنه يكنى بذلك (قوله أشد ّ منه) أي من نفسه وقوله: في الانفصال عنها: أي في دفعها: أي إنه يقرر الشبهة بوجه قوي، ويردّها برد ّ ضعيف لا يهدمها (قوله وفي هذا) أي كونه أشد الخ (قوله مالا يخفى) أي من التحذير من المطالعة في كتبه والاعتراض عليه وقصوره (قوله أنشدني) أي قال المقري أنشدني (قوله الأبلى) بضم الهمزة وتشديد الباء الموحدة (قوله قال) أي الأبلي (قوله الزموري) بفتح الزاي وشد ّ الميم المضمومة (قوله ابن تيمية) أي الحنبلي المشهور زنديق وبغضه للدين وأهله لا يخفي فلا عبرة بكلامه في الفخر (قوله محصل) اسم كتاب للفخر، وقوله حاصله: أي حاصل ذلك الكتاب وقوله: من بعد تحصيله: أي التعب في تأليفه، وفي قوله حاصله وتحصيله تورية لأنهما كتابان لتلامذته اختصارا للمحصل فهو يوريّ بأن الحاصل والتحصيل ما فيهما باطل كما أن المحصل كذلك (قوله بلا دين) لأن ما فيه باطل (قوله في الافك) هو أشد ّ الكذب، فالمحصل أصل الضلالة فالتحصيل والحاصل كذلك إذ هما فرعان منه (قوله المبين) أي الظاهر (قوله وحي الشياطين) لأن المذكور فيه عقائد زائغة ألقتها له الشياطين لا أنها عقائد صحيحة لقتها له الملائكة (قوله فما فيه) مبتدأ أوّل، وقوله: فأكثروا مبتدأ ثان ووحي الشياطين خبر الثاني والجملة خبر الأوّل (قوله قال) أي الزموري (قوله بيده) أي ابن تيمية (قوله فقال) أي ابن تيمية (قوله قلت الخ) هذا الاحتمال عين الاحتمال الذي ذكره سابقا ورد ّه بقوله وأما حمله الخ، وذكره هنا لتصحيحه فكأنه يقول محل كونه فاسدا إن لم يوجد له عذر وعذره هنا حضور الشبه عند الموت وذلك ألجأه إلى طلب التقليد، ولو قال: ويحتمل أن يكون مراده أنه طلب أن يكون مقلدا حقيقة لأجل ما حصل له عند الموت من الشبه لكان أولى
لصراحته في أنه احتمال آخر غير ما تقدم كما هو الواقع (قوله ما حمله) فاعل حضر، وقوله: من الشبه بيان لما حمله، وقوله: الانفصال عنها: أي التخلص منها، وقوله: أن تمنى: أي على أن يتمنى متعلق بحمله (قوله الانفصال(1) التقليدي) أي التقليد المنفصل: أي الخالص: أي الحقيقي (قوله لأن رأيه) أي الفخر (قوله أنه) أي التقليد، وقوله: كاف أي فلهذا تمناه لكن هذا ينافي ما سبق من أن العجائز عارفات لا مقلدات (قوله نهاية) أي غاية
(1) (قوله الانفصال التقليدي) نسخة الشرح التي بيدنا الاعتقاد التقليدي اهـ مصححه.