فهرس الكتاب
الصفحة 492 من 517

في قوله تعالى - قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أوّل مرة وهو بكل خلق عليم - فنفي التعذر من جهة المعاد القابل بقوله - أنشأها أوّل مرة - أي ذاته قابلة للوجود بدليل النشأة الأولى، ويستحيل أن تنقلب الحقيقة من امكان شيء إلى استحالته، ونفي التعذر من جهة الفاعل بقوله - وهو الخلاق العليم - بصيغتي المبالغة، وبقوله أنشأها، ثم أرشد إلى الجواب عن شبه المنكرين، ومن شبههم استبعاد جمع الأجزاء إلى بدنها المخصوص بعد اختلاطها بغيرها كما قالوا - أئذامتنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد - والجواب أنه تعالى عالم بجميعها غير عاجز عن تأليفها وخلق الحياة فيها كما قال تعالى - قد علمنا ما تنقص الأرض منهم - الآية، ومن شبههم أيضا أنها إذا صارت ترابا، فقد تغير طبعها عن طبع الحياة التي هي الحرارة والرطوبة، فرد هذا الاستبعاد بقوله تعالى - الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا - وأما أن الصادق أخبر بوقوع هذا الممكن فهذا مما علم من الدين ضرورة، واحتج المنكرون لبعث الأجساد بوجهين الأوّل أن انسانا لو أكل انسانا آخر وصار المأكول جزءا من بدن الآكل، فلو أعادهما الله بعينهما فاما أن تكون الأجزاء المأكولة معادة في بدن المأكول أو في بدن الآكل وأياما كان فلا يكون أحدهما معادا بعينه وبتمامه وهو خلاف الفرض، وأيضا جعل المأكول جزءا من بدن أحدهما ليس بأولى من جعله جزءا لبدن الآخر لأنه كان جزءا لبدن كل واحد منهما قبل العدم في الجملة. وبالجملة فيستحيل جعله جزءا منهما معا لاستحالة حلول الشيء الواحد بالشخصين في محلين. الوجه الثاني: لو أعيد البدن لم يخل إما أن يكون لمقصود أو لا لمقصود وكلاهما باطل. أما الثاني فلأنه يؤدي إلى العبث والسفه. وأما الأوّل فلأن

(قوله أي ذاته) أي المعاد وهذا ناظر للقابل (قوله ثم أرشد) أي القرآن (قوله بعد اختلاطها بغيرها) هذا ظاهر على القول بأن الإعادة عن تفريق لا على القول بأنها عن عدم (قوله والجواب أنه الخ) هذا الجواب غير مناسب لأسلوب الكلام إذ المناسب لقوله ثم أرشد الخ أن يقول: والجواب ما أرشد به بقوله قد علمنا ما تنقص الأرض منهم ثم يأتي بقوله: أي انه تعالى عالم الخ (قوله عالم بجميعها) أي وحينئذ فلا استبعاد لرجوع جميعها (قوله قد علمنا الخ) قال ابن عطية: أي قد حفظنا ما تنقص الأرض منهم ليعود إليهم بعينه يوم القيامة (قوله فقد تغير طبعها) أي لأن طبع الحياة الحرارة والرطوبة وطبع التراب البرودة واليبوسة، وحينئذ فهما متباينان فطيف ينقلب أحدهما إلى الآخر ورد ّ ذلك بأن الأشجار طبعها البرودة والليونة ويخرج منها الحار اليابس وهو النار (قوله هو الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا) هو شجر المرخ ونحوه من العيدان التي يحك بعضها ببعض فتخرج منها النار (قوله واحتج المنكرون) هم الفلاسفة (قوله لبعث الأجساد) أي إحيائها واخراجها من قبورها (قوله جعل المأكول) أي بعد اعادته (قوله في الجملة) إنما قال ذلك لأن ذلك المأكول حين كان جزءا للأكل لم يكن جزءا للمأكول منه وبالعكس لأنه كان جزءا للآكل بعد الأكل وكان جزءا للمأكول منه قبل الأكل (قوله فيستحيل جعله) أي بعد الإعادة (قوله لاستحالة الخ) وأما حلول الشيء الواحد بالنوع في محلين فهو جائز كحلول الإنسان في زيد وعمرو بناء على أن الكلي له تحقق في جزئياته (قوله لمقصود) أي لأجل تحصيل أمر مقصود (قوله أو لا لمقصود) أي أو ليس

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام