لأن غاية ما يدرك العقل وحده من هذه الأمور جوازها أما وقوعها فلا طريق له الا السمع. الثالث ما يصح الاستدلال عليه بالأمرين: أعني السمع والعقل بحيث يستقل كل ّ واحد منهما بالدلالة عليه وهو ما ليس بوقوع جائز ولا يتوقف ثبوت المعجزة عليه، وذلك كإثبات سمعه تعالى وبصره وكلامه وكجواز تلك الأمور التي أخبر الشرع بوقوعها. وقد اختلف في معركة الوحدانية فقيل هي من هذا القسم الثالث فيصح الاستناد فيها إلى كل واحد من العقل والسمع بمعنى أن كل واحد منهما على الانفراد يخرج من وصف التقليد، وقيل بل هي من القسم الأوّل الذي لا يصح الاستدلال عليه إلا بالعقل. والحاصل أنه لا خلاف في صحة الاستناد إلى العقل وحده في عقد الوحدانية، واختلف في صحة الاستناد فيها إلى السمع وحده، فقيل نعم، وقيل لا، والأوّل رأي الإمامين امام الحرمين والامام الفخر. والثاني رأى بعض المحققين، وإليه ميل شرف الدين ابن التلمساني، وهو الذي اخترت في هذه العقيدة لما سنذكره. قال في العالم: اعلم أن العلم بصحة النبوّة لا يتوقف على العلم بكون الاله واحدا فلا جرم أمكن اثبات الوحدانية بالدلائل السمعية، وإذا ثبت هذا: فنقول أن الكتب الالهية أطبقت على التوحيد، فوجب أن يكون التوحيد حقا قال ابن التلمساني: يعني بالتوحيد اعتقاد الوحدة لله تعالى والاقرار بها (قوله الكتب الالهية) يعني الكتب المنزلة التي جاءت بها الرسل ولا شك في اشتمالها
تمييز (قوله لأن الخ) علة لقوله: ما لا يصح الاستدلال الخ (قوله بحيث الخ) وليس المراد أن الاستدلال على هذا القسم لا يحصل إلا بمجموع الأمرين (قوله وهو ما ليس الخ) أي وهو مالا يكون من القسمين السابقين (قوله وذلك كإثبات سمعه الخ) مثال للواجب، والمراد بالإثبات الثبوت، وبعد ثبوت السمع وما معه بالسمع ثبت لها القدم والبقاء والوحدة ونحو ذلك بالعقل، وقوله: وكجواز الخ مثال للجائز الذي لم يقع بالفعل (قوله تلك الأمور) أي الحشر والنشر وما معهما (قوله التي الخ) فقد أخبر الشارع بأنها ستقع، وهذا يستلزم الاخبار بجوازها لأن الوقوع يستلزم الجواز، فهذه الأمور لها جهتان جهة وقوعها، وهذه لم تعلم إلا من السمع وجهة جوازها، وهذه تعلم من العقل ومن السمع (قوله في معرفة الوحدانية) فيه أن المعتقد الوحدانية دون المعرفة والخلاف فيها لا في المعرفة، فالأولى اسقاط معرفة إلا أن تجعل الاضافة من اضافة الصفة للموصوف: أي الوحدانية المعروفة (قوله من وصف التقليد) الاضافة للبيان: أي يخرج من ذلك إلى العلم (قوله فيها) أي في عقد الوحدانية وأنث الضمير، لأن المضاف اكتسب التأنيث من المضاف أو لمراعاة المعنى، لأن العقد مصدوقه الوحدانية لأن الاضافة للبيان (قوله قال) أي الفخر (قوله بصحة) أي ثبوت (قوله لا يتوقف الخ) فتعلم أن هذا نبي الله بمجرد ظهور المعجزة على يديه، وإن لم تعلم انفراده بالوحدانية (قوله فلا جرم) أي فحقنا وهو الأصل بمعنى لا فرار (قوله على التوحيد) أي على كون الاله واحدا لا على وجوب اعتقاد الوحدة كما فهم ابن التلمساني (قوله فوجب الخ) في الكلام حذف، والأصل والكتب الالهية حق فوجب أن يكون التوحيد: أي كون الاله واحدا حقا (قوله يعني) أي الفخر (قوله اعتقاد الوحدانية) المتبادر أن معنى التوحيد كون الاله واحدا قوله والإقرار بها)