واليقينيات ستة أقسام: أوّليات لأنها تدرك بأوّل توجه العقل، وتسمى أيضا بديهيات، وهي ما يجزم به العقل بمجرد تصوّر طرفيه كقولنا الواحد نصف الاثنين والكل ّ أعظم من جزئه، ومشاهدات وتسمى أيضا حسيات، وهي ما يجزم به العقل بواسطة حس ٌ كقولنا:
وكل متغير حادث، والمركب من نظريتين، نحو: العالم حادث وكل حادث له صانع فإن ذلك ينتهي للضرورة مآلا، ومفهوم قوله: كلها يقينية أنه لو كان بعضها يقينيا وبعضها ظنيا فلا يسمى برهانا هذا يطوف بالسلاح في الليل بالمشاهدة وكل من هو كذلك فهو سارق، فالأولى ضرورية لثبوتها بالمشاهدة، والثانية ظنية (قوله واليقينيات ستة) أي وكلها ضرورية: أي لا تتوقف على نظر واستدلال، وإن توقفت على حدس أو تجربة فإن قلت: من الضروريات المشاهدات، وهي قضايا تتوقف على قياس مصحوب معها. وحينئذ فهي متوقفة على النظر الذي هو القياس. قلت: أجيب عن ذلك بأن القياس المذكور معها ليس استدلالا بل هو تنبيه والضروريات قد ينبه عليها إزالة لما في بعض الأذهان من الخفاء المتعلق بها (قوله أوليات) بضم الهمزة وفتح اللام مخففة: أي مقدمات أوليات، وضبطه بعضهم بفتح الهمزة وتشديد الواو نسبة الأوّل، ويدل لهذا قول الشارح لأنها تدرك بأوّل توجه العقل (قوله لأنها الخ) علة لمحذوف: أي إنما سميت أوليات لأنها الخ، وقوله: تدرك: أي تدرك نسبتها، والمراد بالإدراك التصديق: أي لأن العقل يصدّق بنسبتها عند أوّل توجهه: أي إنك متى تصورت الموضوع والمحمول حكم العقل بثبوت المحمول للموضوع من غير توقف على شيء كتجربة وحدس (قوله بديهيات) جمع بديهية، وهي التي تهجم على النفس بأن تحصل عند العقل من غير استعمال فكر (قوله وهي ما يجزم الخ) أي وهي قضايا يجزم العقل بها: أي بنسبتها بمجرد تصور طرفيها: أي الموضوع والمحمول لكن مع تصور نسبتها أيضا فكان عليه أن يقول ما يجزم العقل بنسبتها عند تصور طرفيها ونسبتها، واسناد الجزم للعقل من اسناد الشيء إلى سببه، والجازم حقيقة النفس، وذكر الضمير في به نظرا للفظ ما لا لمعناها وهو القضايا (قوله كقولنا الواحد الخ) هذا مثال للقضايا الأوّلية، فاذا تصور الواحد وتصور نصف الاثنين: أي المضاف والمضاف إليه جزم العقل بالحكم وهو ثبوت نصف الاثنين للواحد ويقال نظير هذا في المثال بعده، وحينئذ فيقال في تركيب البرهان من هذه المقدمة وغيرها هذا واحد وكل واحد فهو نصف الاثنين ينتج هذا نصف الاثنين (قوله والكل أعظم من جزئه) يقال في القياس المركب من هذه المقدمة وغيرها: هذا كل وكل ّ كل ّ أعظم من جزئه ينتج هذا أعظم من جزئه فهو مركب من مقدمات أوّلية ضرورية (قوله ومشاهدات) أي مقدمات مشاهدات لكون جزم العقل بنسبتها يتوقف على مشاهدة (قوله وتسمى أيضا حسيات) أي لتوقف جزم العقل بنسبتها على إحساس: أي ظاهري. أما لو توقف جزم العقل بنسبتها على إحساس باطني كقولهم إن لنا جوعا أو حزنا فتسمى مشاهدات ووجدانيات ولا تسمى محسوسات، وحينئذ ففي
إطلاق الحسيات شيء (قوله وهي ما يجزم العقل الخ) أي وهي قضايا يجزم العقل بنسبتها بواسطة حسٌ: أي أي ّ حاسة كانت (قوله كقولنا الخ) مثال للمقدمات المشاهدات، ومثال البرهان المركب منها أن يقال: هذه شمس وكل شمس مشرقة