وحجته ما سبق من التسلسل. قلت وهو مردود إن كان يسلم أن الوجود مصحح للرؤية. الثالث: استحالة أن يرى الإنسان رؤية نفسه وتجويز أن يرى رؤية غيره، وكأنه يرى قائل هذا عدم لزوم التسلسل في رؤية الغير لجواز أن يدرك الإنسان ادراك غيره أولا يدركه لمانع، ثم يعدم الله ذلك المحل الثاني الذي هو محل رؤية المدركة، فتنعدم هي والموانع فينقطع التسلسل عند ذلك، قلت ولا يخفى ضعف هذا الثالث أيضا لأنه إن كان يجوز رؤية المانع، فقد لزم من التسلسل عند عدم كون رؤية الغير حال وجودها مرئية ما لزم عند عدم كون رؤية نفسه مرئية له، وإن كان لا يجوز رؤية الموانع فذلك يقطع التسلسل في رؤية نفسه ورؤية غيره كما ذكرناه عن القاضي في تصحيح قول الشيخ الأشعري. وبالجملة فالحق من هذه الأقوال إن سلم أن الوجود هو المصحح للرؤية
بذلك يقتضي أن الخلاف في وقوع رؤيتها وعدمه مع أن الخلاف في الجواز وعدمه، فالأولى أن يقول ترى: أي تجوز رؤيتها، وأما مرئية فيوهم بالفعل (قوله وحجته ما سبق من التسلسل) أي لأنه لو صح رؤيتها ولم تر كان عدم رؤيتها لمانع ثم ننقل الكلام لذلك المانع فنقول أنه موجود فيجوز أن يرى ولم ير بالفعل فيكون عدم رؤيته لمانع وهكذا إلى مالا نهاية له من الموانع ويتسلسل الحال وهو محال وما أدّى للمحال وهو صحة رؤية الرؤية محال فتعين أنها لا ترى (قوله إن كان يسلم أن الوجود مصحح للرؤية) لا حاجة لهذا القيد فالأولى حذفه لأن أصل التسلسل مبني على أن الوجود هو المصحح للرؤية وكان الأولى أن يقول بدله وهو مردود لما سبق عن القاضي أن المانع الأوّل مانع من رؤية الرؤية ومن رؤية نفسه فلا يحتاج لتقدير مانع آخر حتى يلزم التسلسل (قوله استحالة الخ) لما يلزم ذلك من التسلسل (قوله وكأنه) أي الحال والشأن (قوله لجواز أن يدرك الإنسان الخ) يعني أن زيدا إذا رأى خالدا، فيجوز في حق عمرو أن يرى هذه الرؤية ولا تسلسل لجواز انعدام زيد فتنعدم الرؤية والمانع فينقطع التسلسل، وقوله ثم يعدم الله ذلك المحل الثاني: أي محل رؤية زيد لخالد وهو الرائي بالفعل وهو زيد وجعله محلا ثانيا باعتبار عمرو الذي قامت به الرؤية المرئية الذي ذكره أوّلا بقوله لجواز أن يدرك الإنسان الخ (قوله هو محل الرؤية المدركة) أي التي يجوز تعلق الإدراك بها وإلا فالموضوع أنها غير مدركة بالفعل (قوله لأنه إن كان يجوّز الخ) حاصله أنه لا وجه لهذه التفرقة لأن المانع إن جازت رؤيته فالتسلسل لازم في الأمرين وإلا فهو منقطع فيهما (قوله من التسلسل) بيان مقدم لقوله بعد ما لزم، وقوله: حال وجودها: أي الرؤية، وقوله: مرئية خبر الكون، وأصل العبارة فقد لزم عند عدم كون رؤية الغير مرئية حال وجودها ما لزم عند عدم كون رؤية نفسه مرئية له من التسلسل (قوله فذلك يقطع الخ) أي وحينئذ فلا وجه للتفرقة التي ذكرها صاحب القول الثالث (قوله كما ذكرناه) أي كما يقطعه ما ذكرناه الخ من أن المانع الأوّل كما أنه مانع من رؤية الرؤية مانع من رؤية نفسه فلا يحتاج لمانع يمنع من رؤيته حتى يلزم التسلسل (قوله من هذه الأقوال) أي المذاهب الثلاثة المذكورة في مسئلة رؤية الرؤية (قوله إن سلم الخ) وأما على القول بأن الوجود ليس مصححا للرؤية بل المصحح لها التحيز