وملزوم الأعم غير ملزوم الأخص. والحاصل أن الذي أنتجه دليلكم أعم من مدعاكم. جوابه منع أن الأفعال إنما دلت على وجوب تلك الصفات لفاعلها وجوبا وقتيا بل وجوبا مطلقا بحسب الذات بحيث يستحيل عرو ّ الفاعل عن تلك الصفات مطلقا، وبيان ذلك أنه لو قدّر الجواز لتلك الصفات لكانت من جملة الأفعال الحادثة ضرورة أن كل ممكن حادث، فيجب أن يتصف فاعلها بأمثالها ليتمكن بها من إيجادها، ثم ننقل الكلام إلى تلك الصفات الأخرى، فإن قدر لها الجواز أيضا لزم حدوثها أيضا، ولوم اتصاف فاعلها بأمثالها ليتمكن بها من إيجادها، ولزم الدور إن كانت هذه الصفات هي الأولى أو التسلسل إن كانت غيرها، فاذن الأفعال لا يمكن صدورها عن فاعل تكون تلك الصفات في حقه جائزة. لا يقال نحن إنما اعتراضا على استدلالكم على وجوبها بمجرد الفعل وهذا الذي أجبتم به لم يصحح الاستدلال به على ذلك بل حاصله استنباط دليل آخر على وجوب تلك الصفات للفاعل وهو أنها لو كانت جائزة للزم الدور أو التسلسل. لأنا نقول إنما استلزم جواز تلك الصفات الدور أو التسلسل من حيث إن كل جائز لا يكون إلا فعلا حادثا والفعل الحادث يدل على تلك الصفات ثم ننقل الكلام إليها. ويلزم الدور أو التسلسل فصح أن الفعل يدل على وجوب تلك الصفات وجوبا مطلقا بحسب تلك الذات، وذكر الدور أو التسلسل في هذا الوجه بيان لوجه دلالته على ذلك، والله الموفق، وقوله: لتوقف احداثها عليها: أي على أمثالها
في قولنا بالضرورة كل كاتب متحرك الأصابع وقت الكتابة (قوله وملزوم الأعم غير ملزوم الأخص) أي أن ما كان ملزوما للأعم لا يكون ملزوما للأخص فكما تقول أن الفرسية ملزومة للحيوانية ولا يلزم أن تكون الفرسية ملزومة للإنسانية التي هي أخص من الحيوانية فالفرسية تكون دليلا على الحيوانية ولا تكون دليلا على الإنسانية، فكذلك تقول هنا إن إيجاد الأفعال وهو الدليل الذي ذكره المصنف ملزوم لوجوب الصفات في الوقت ولا يلزم أن يكون ملزوما لوجوبها بحسب الذات الذي هو أخص من وجوبها بحسب الوقت فيكون الايجاد المذكور دليلا على الوجوب الوقتي للصفات ولا يكون دليلا على وجوبها بالذات (قوله دليلكم) هو إيجاد الفعل، وقوله: أعم من مدعاكم أي لأن الدليل أنتج الوجوب الوقتي للصفات وهو أعم من وجوبها بحسب الذات الذي هو المدعى (قوله بل وجوبا مطلقا) أي بل دلت على وجوب تلك الصفات لفاعلها وجوبا مطلقا (قوله بحسب الذات) على حذف أي التفسيرية: أي وإذا كان بحسب الذات فلا يتقيد بوقت (قوله لو قدر) أي تقديرا وقوعيا (قوله إن كان ممكن) أراد به الممكن الذي ثبت له تقرر في الخارج وإلا لم يصح اتصافه بكونه حادثا: أي موجودا بعد عدم (قوله على وجوبها) أي الصفات (قوله بمجرد الفعل) أي بأن الفعل إنما يدل على وجوبها للفاعل وجوبا وقتيا لا وجوبا مطلقا (قوله وهذا الذي أجبتم به) أي من منع كون الأفعال تدل على وجوبها وجوبا وقتيا بل تدل على وجوبها وجوبا مطلقا لأنها لو كانت جائزة للزم الدور أو التسلسل، وقوله: لم يصح الاستدلال به على ذلك: أي على وجوبها وجوبا مطلقا، والأولى أن يقول والذي أجبتم غير دافع للاعتراض على استدلالكم (قوله بل حاصله) أي حاصل ما أجبتم به (قوله عن تلك الصفات) أي على أمثالها (قوله بيان لوجه دلالته) أي دلالة الدليل الأوّل لا دليل