فهرس الكتاب
الصفحة 215 من 517

والرد على المعتزلة المنكرين لها مع موافقتهم على وجوب كونه جل وعلا قادرا مريدا عالما حيا إلى آخرها. قالوا وهذه الأوصاف واجبة له تعالى لذاته لا لمعنى ملازم لها يقوم بذاته جل وعلا كما في حقنا، واستثنوا من ذلك كونه تعالى متكلما، فوافقوا على أنه تعالى متكلم بكلام. لكن خالفوا أهل السنة في معنى الكلام الثابت له تعالى، فهم جعلوه حروفا وأصواتا يخلقها جل وعلا في محل من الأجرام ويتكلم بها ولا يقوم به هذا الكلام عندهم لأنه لا يكون إلا حادثا وقيام الحوادث بذاته محال، فمعنى كونه متكلما عندهم أنه خالق للكلام في غيره، وجاءهم هذا الفساد من حصرهم الكلام في الحروف والأصوات، وسيأتي تحقيق القول معهم في ذلك إن شاء الله تعالى واستثني معتزلة البصرة أيضا كونه مريدا، فقالوا مريد بإرادة حادثة لا في محل، فألزموا في ذلك ثلاثة أمور كلها مستحيلة. أحدها تجدد الأحوال الحادثة على الأزلي جل وعلا، وذلك يفضي إلى حدوث من وجب قدمه، وقد تقدّم بسط ذلك في حدوث العالم والثاني قيام المعنى بنفسه، وهو محال. والثالث عود حكمه إلى ما لم يقم به مع نفي اختصاصه به وهو محال وألزموا أيضا مخالفة أصلهم

الأولى على وجود المعاني وثبوتها لله تعالى (قوله والرد الخ) من عطف اللازم على الملزوم (قوله لها) أي لوجودها (قوله مع موافقتهم الخ) أي فإنكارهم لا معنى له إذ لا معنى لعالم في اللغة إلا ذات ثبت لها العلم وهكذا (قوله وهذه الأوصاف) أي كونه قادرا الخ (قوله لذاته) أي لأجل ذاته لا لمعنى زائد عليها (قوله ملازم) الأولى ملزوم (قوله لها) أي لتلك الصفات ... (قوله كما في حقنا) فقالوا زيد مثلا قادر بقدرة وهكذا، فقد وافقونا في الحادث وخالفونا في جانبه تعالى، فقالوا قادر بذاته الخ فرارا من تعدد القدماء (قوله بكلام) أي زائد على ذاته العلية (قوله جعلوه) أي الكلام الثابت له تعالى (قوله وأصواتا) عطف عام، فالأولى تقديمه على الخاص وهو الحروف (قوله ويتكلم) أي ذلك المحل: كالشجرة في قصة موسى (قوله أنه خالق للكلام) وأما ذاته فلم يقم بها كلام لا نفسي ولا لفظي (قوله هذا الكلام) أي المركب من الأصوات والحروف (قوله عندهم) بل وعند غيرهم أيضا (قوله معتزلة البصرة) كأبي علي ّ الجبائي وابنه وعبد الجبار (قوله بإرادة حادثة) قالوا لأنه لو كان مريدا بذاته لعمت مريديته لكل ممكن لأن ما بالذات لا يختلف، وهم يقولون بخروج بعض الممكنات عن ارادته كالمعاصي، وقالوا حادثة فرارا من تعدد القدماء (قوله لا في محل) أي بل قائمة بنفسها لأنها لو قامت بمحل فإن كان غير الذات العلية لأوجبت الحكم لذلك المحل لا للذات العلية، وإن كان ذلك المحل هو الذات العلية لزم اتصافها بالحوادث (قوله كلها مستحيلة) أي كل ّ واحد منها مستحيل (قوله تجدد الأحوال الحادثة) لأن علة الكون مريدا حادثة، فليكن المعلول كذلك حادثا: أي متجددا بعد عدم وهم وإن لم يقولوا بقيام الارادة الحادثة به إلا أنهم قد قالوا بقيام حكمها وهو الكون مريدا به ولا فرق في حدوث الذات بين تجدّد المعاني عليها وتجدّد المعنوية عليها (قوله ذلك) أي الافضاء (قوله عود حكمه) أي عود حكم المعنى وهو الكون مريدا، وقوله: إلى ما: أي ذات، وقوله: لم يقم به: أي لم يقم ذلك المعنى بتلك الذات: أي مع أن المعنى لا يوجب الحكم إلا للذات القائم بها ذلك المعنى (قوله مع نفي اختصاصه به) أي مع نفي اختصاص الحكم بما لم يقم به

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام