فهرس الكتاب
الصفحة 206 من 517

فاذا لم يتصف بها اتصف بأضدادها وأضدادها نقص، لأن فيها فوت حال، والنقص في حقه جل وعلا محال، فوجب أن يتصف بتلك الإدراكات زائدة على علمه جل وعلا. لكن على ما يليق به تعالى من نفي الاتصال بالأجسام ونفي اللذات عن ذاته العلية والآلام، ولهذا أجمعوا أن لفظ الشم والذوق واللمس لا يصح اطلاقه في حقه تعالى لما يؤذن به من اتصالات وتجدد الكيفيات، وكل ذلك في حق من تنزه عن الحدوث في ذاته وصفاته محال، وإنما الإدراك المتنازع في اثباته في حقه تعالى أمر وراء الشم والذوق واللمس، وليست هذه الثلاثة نفس الإدراكات ولا لازما عقليا لها، وإنما هي في حقنا أسباب عادية يخلق الله جل وعلا معها الإدراك غالبا، ويدل على أن الإدراك أمر زائد عليها، أنك تقول شممت التفاحة فلم أجد لها ريحا، وكذا لمست وذقت فلم أجد ولو كان الإدراك غير زائد عليها لكان هذا اللفظ متناقضا ولما اعتقد بعض العلماء الملازمة العقلية بين الإدراك وبينها، وايهام مع ذلك أيضا اثبات هذه الإدراكات له جل ّ وعلا، وجعل الاحاطة بمتعلقاتها داخلا في علمه تعالى، وإلى هذا القول أشرت بقولي: وجزم بعضهم بنفيه: أي بنفي الإدراك المتلق بالمشمومات والمذوقات والملموسات.

أي وكل كمال يجب لله شروع في دليل ثبوت الإدراك له تعالى بعد أن أثبت زيادته على العلم، وأشار لنتيجته بقوله بعد فوجب أن يتصف بتلك الإدراكات، ولما كانت الكبرى نظرية أقام عليها دليلا بقوله وكل حي الخ حذفت صغراه. والأصل الله حي وكل حي قابل للاتصاف بالكمالات فالله قابل للاتصاف بالكمالات (قوله فاذا لم يتصف الخ) من تتمة دليل كبرى القياس الأوّل: أي وحيث ثبت أنه تعالى قابل للاتصاف بالكمالات لو لم يتصف بها بالفعل لاتصف بأضدادها لكن التالي باطل فبطل المقدم، وقوله: وأضدادها نقص أي وكل نقص في حقه محال وهذا دليل للاستثنائية، وإذا استحال الاتصاف بأضداد الكمالات وجب الاتصاف بها وهو المطلوب (قوله ونفي اللذات الخ) أي ونفي تكيف ذاته باللذات والألم، وليس المراد نفي ادراك ذلك (قوله ولهذا) أي لقولنا لكن على ما يليق به تعالى الخ (قوله لما يؤذن) أي لما يوهمه الاطلاق (قوله من الاتصالات) لأن الشم تطلب رائحة الجسم واللمس ملاقاة جسم لآخر لمعنى فيه والذوق ملاقاة عضو مخصوص للجسم لطلب معنى فيه (قوله وتجدّد الكيفيات) أراد بها اللذات والآلام وكما أن تجدّدها مستحيل كذلك أصل الكيفية مستحيل في حقه تعالى (قوله وراء) أي غير (قوله ولا لازما) الأولى ولا ملزوما بدليل آخر الكلام (قوله وإنما هي) أي الشم والذوق واللمس (قوله أسباب) أي للإدراك (قوله غالبا) أي وقد يتخلف الإدراك عنها (قوله أمر زائد عليها) أي أمر مغاير لها (قوله غير زائد عليها) أي بل هو عينها (قوله وبينها) أي الثلاثة اللمس والذوق والشم (قوله وإيهام) عطف على الملازمة وهو مصدر مضاف للمفعول: أي واعتقد أن اثبات هذه الإدراكات يوهم الملازمة العقلية بين الإدراك وبين الشم والذوق واللمس هذا، والأولى الاقتصار على الأوّل لأن الايهام المذكور لا ينتج المدّعى: أعني القول بنفيها (قوله أيضا) أي كما منع اثبات الشم والذوق واللمس له تعالى اتفاقا (قوله وجعل الخ) أي وجعل الإدراك لمتعلقاتها مثل السكر والمسك (قوله داخلا في علمه) أي أنه فرد من أفراد

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام