مُدَارَاةً لأَحَدٍ أَعْظَمُ مِمَّنْ يَتكَلَّمُ بِكَلِمَةٍ يَمْزَحُ بِهَا)
هذه الجملة ذكر فيها المصنف - يرحمه الله - الآية الأولى وهي قوله - سبحانه وتعالى - {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [1] قيلت لمن صاحب النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وغزا مع النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أعظم دول الكفر في وقته وهم الروم.
قوله - رحمه الله: (تَبَيَّنَ لَكَ أَنَّ الَّذِي يَتكَلَّمُ بِالْكُفْرِ، وَيَعْمَلُ بِهِ خَوْفَا مِنْ نَقْصِ مَالٍ، أَوْ جَاهٍ)
أَيْ: أنه أعظم ممن قال كلمة الكفر مازحاً، فمن يقول: نحن في دولة أَوْ بلد مضوا على هذه السنة من الاستشفاع بالولي ونداء الولي من قولهم: يا سيد بدوي أَوْ نحو ذلك، فنحن نوافقهم حتى نستميل قلوبهم، ندعوهم إِلى الله - عز وجل -، كذا يزعم بعضهم، ولا شك أن موافقتهم لأجل دنيا أَوْ نحوه كفر بالله - عز وجل - أشد من كفر المازح، لِمَ؟ لأن المازح في الأصل لم يقصد ما أتى به خلافاً لهذا فإنه يقصده مع علمه به؛ وَمِنْ ثَمَّ كان تأَوُّله خاطئاً، وكان قاصداً لما قال، وكان يريد شيئاً من المتاع من مصالح دنيوية من مال أَوْ
(1) يقول ابن كثير - يرحمه الله - في [التفسير] ''وقال عبد الله بن وهب: أخبرني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر قال: قال رجل في غزوة تبوك في مجلس: ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا لا أكذب ألسنا ولا أجبن عند اللقاء. فقال رجل في المسجد: كذبت ولكنك منافق لأخبرن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونزل القرآن فقال عبد الله بن عمر أنا رأيته متعلقا بحقب ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تنكبه الحجارة وهو يقول يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول (أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ، لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) الآية.''