معبود بحق إلا الله، إِذْ المعبودات بباطل كثيرة غير أن المستحق للعبادة هو الرب الفرد الصمد - جل جلاله - ومِنْ ثَمَّ فإن أولئك وإن أثبتوا الربوبية لله وإن أثبتوا أنه المستحق للعبادة، ولكنهم لم يكفروا بغيره من المعبودات فإنهم لم يفردوا الله بالعبادة، إِذْ حقيقتها نفي وإثبات، ولذلك لما أمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يفردوا الله بالعبادة وينفوا جميع الآلهة استحقاقاً وعبادة قالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا} [1] فاستنكروا ذلك.
الإله مأخوذ من قولهم: أَلِهَ يأْلَهُ إلَهَةً وألوهية أَيْ: إِذَا عُبِدَ، ومنه قول رؤبة:
لِلَّهِ دَرُّ الغانِيَات الْمُدَّهِ ... سبَّحْنَ واسْتَرْجَعْنَ مِنْ تَأَلُّهِي
يعني من عبادتي، وإنما أراد المصنف - يرحمه الله - أن يُبَيِّنَ أن معنى الإله عند أولئك ليس هو معنى الإله الذي قد يتبادر إِلى الأذهان، فهم يعلمون أن الإله هو الله - سبحانه وتعالى - وأنه هو المألوه بحق، وأنه هو الضار النافع حقيقة، وأنه هو مالك الملك، ولكنهم قصدوا غيره في حاجياتهم، ووسطوا بينهم وبينه أشياء، وهذا هو قوله: (هو الذي يقصد لأجل هذه الأمور) سواء كان ملكاً أو نبياً أو ولياً أو شجرة أو قبراً أو جنياً، لم يريدوا أن الإله هو الخالق الرازق المدبر، فإنهم يعلمون أن ذلك لله وحده.
إذن كان معنى الإله عندهم هو من يقصد في رجاء وخوف،
(1) سورة ص الآية (5) .