هذه الجملة ذكر فيها المصنف - يرحمه الله - أربع فوائد تتعلق بقصة ذات أنواط:
أما الفائدة الأولى:
فقوله: (إن المسلم - بل العالم - قد يقع في أنواع من الشرك لا يدري عنها) أَيْ: أن الجهل قد يعرض لمن كان عنده علمٌ في أصل الأمر لا في عوارضه وخفاياه كما وقع ذلك لأولئك في قصة ذات أنواط، فإنهم على علم بأصل لا إله إلا الله ومعناها ودلائلها في الجملة؛ لكن عرض لهم من خفايا الأمور ما أوجب لبعضهم أن ينطقوا بتلك الكلمة التي هي سؤال كفرٍ ولكنهم تابوا لما ذُكِّروا بأنه كفر، ولَمَّا يفعلوا.
وثاني الفوائد
أَيْ: أن المعرفة بطروء ما يكون كفراً وهو من جنس الخفايا يوجب للمؤمن العاقل أن يتحرز من كل أمرٍ يوجب شركاً، وأن يتحرز من كل أمرٍ يكون كفراً، وأن يتحقق في أموره وفي مسيره إِلى الله - سبحانه وتعالى -.
وَلِذَلِكَ يقول المصنف - يرحمه الله - منكراً على طائفة ممن كانوا في زمانه ينكرون عليه عنايته بالتوحيد ويقولون (التوحيد الناس كلهم يعرفونه) ، يقول - يرحمه الله: (ومعرفة أن قول الجاهل: ''التوحيد فهمناه'' أن هذا من أكبر الجهل ومكائد الشيطان) فيه دلالة على عظم منْزلة التوحيد وعلى أهمية التحرز من ضده جَلِيِّه وخَفِيِّه بعيدِه وقريبِه، وفيه دلالة على أن التوحيد يُسْتَمَرُّ في تعليم الناس إياه ولا يُتَوَقَّف، ودل على ذلك دلائل: