فهرس الكتاب
الصفحة 72 من 222

أهل السنة والجماعة كما رأيناهم حملة ميراث النبوة في جانبيها العلمي والعملي، ولا شك أن أبرز الجوانب العملية في الهدي النبوي هو الجانب الأخلاقي، ولذلك فإن أخلاق النبوة -من الرحمة، ومحبة الخير للناس، واحتمال أذاهم، والصبر على دعوتهم إلى آخر ذلك، هي المنبع الذي يستقي منه أهل السنة خصائصهم السلوكية والأخلاقية والتي لا تقل أهمية في منظور الحق عن ميراث العلم والهدي الذي اختص به الله هذه الفرقة الناجية بفضله ورحمته.

* (الرَّسُولُ، صلى الله عليه وسلم، بَعَثَهُ اللَّهُ -تَعَالَى- هُدًى وَرَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ. فَإِنَّهُ كَمَا أَرْسَلَهُ بِالْعِلْمِ وَالْهُدَى وَالْبَرَاهِينِ الْعَقْلِيَّةِ وَالسَّمْعِيَّةِ، فَإِنَّهُ أَرْسَلَهُ بِالْإِحْسَانِ إلَى النَّاسِ وَالرَّحْمَةِ لَهُمْ بِلَا عِوَضٍ، وَبِالصَّبْرِ عَلَى أَذَاهُمْ وَاحْتِمَالِهِ، فَبَعَثَهُ بِالْعِلْمِ وَالْكَرَمِ وَالْحِلْمِ: عَلِيمٌ هَادٍ، كَرِيمٌ مُحْسِنٌ، حَلِيمٌ صَفُوحٌ ...

فَهُوَ يَعْلَمُ وَيَهْدِي، وَيُصْلِحُ الْقُلُوبَ، وَيَدُلُّهَا عَلَى صَلَاحِهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِلَا عِوَضٍ. وَهَذَا نَعْتُ الرُّسُلِ كُلِّهِمْ ... وَهَذِهِ سَبِيلُ مَنْ اتَّبَعَهُ ... وَكَذَلِكَ نَعَتَ أُمَّتَهُ بِقَوْلِهِ: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: كُنْتُمْ خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ تَاتُونَ بِهِمْ فِي السَّلَاسِلِ حَتَّى تُدْخِلُوهُمْ الْجَنَّةَ، فَيُجَاهِدُونَ -يَبْذُلُونَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ- لِمَنْفَعَةِ الْخَلْقِ وَصَلَاحِهِمْ، وَهُمْ يَكْرَهُونَ ذَلِكَ لِجَهْلِهِمْ، كَمَا قَالَ أَحْمَد فِي خُطْبَتِهِ (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي كُلِّ زَمَانٍ فَتْرَةً مِنْ الرُّسُلِ، بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، يَدْعُونَ مَنْ ضَلَّ إلَى الْهُدَى. وَيَصْبِرُونَ مِنْهُمْ عَلَى الْأَذَى. يُحْيُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ الْمَوْتَى، وَيُبَصِّرُونَ بِنُورِ اللَّهِ أَهْلَ الْعَمَى. فَكَمْ مِنْ قَتِيلٍ لإبليس قَدْ أَحْيَوْهُ، وَكَمْ مِنْ ضَالٍّ تَائِهٍ قَدْ هَدَوْهُ، فَمَا أَحْسَنَ أَثَرِهِمْ عَلَى النَّاسِ، وَأَقْبَحَ أَثَرِ النَّاسِ عَلَيْهِمْ. إلَى آخِرِ كَلَامِهِ ... وَهُوَ -سُبْحَانَهُ وتعالى- يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأَخْلَاقِ وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا، وَهُوَ يُحِبُّ الْبَصَرَ النَّافِذَ عِنْدَ وُرُودِ الشُّبُهَاتِ، وَيُحِبُّ الْعَقْلَ الْكَامِلَ عِنْدَ حُلُولِ الشَّهَوَاتِ. وَقَدْ قِيلَ -أَيْضًا- وَقَدْ يُحِبُّ الشَّجَاعَةَ، وَلَوْ عَلَى قَتْلِ الْحَيَّاتِ. وَيُحِبُّ السَّمَاحَةَ، وَلَوْ بِكَفِّ مِنْ تَمَرَاتٍ) ج 16 ص 313 - 317.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام