3 -ويقابل الروافض الخوارج -وفتنتهما من أول الفتن والبدع ظهوراً- لكن الخوارج اشتهر عنهم الصدق [1] ، ولذلك روى البخاري وغيره عن دعاتهم. ولكن الخوارج تميزت فتنتهم وضلالتهم بأنهم خرجوا عن جماعة المسلمين، وكفروا من عداهم، وميزوا صفوفهم عن صفوف غيرهم من المسلمين، وحاربوا وقاتلوا، فصارت بدعتهم وانحرافهم شديدة الوطأة علي المسلمين، ولذلك قاتلهم علي،-رضي الله عنه-، وأجمع الصحابة على قتالهم.
ولما خرج الخوارج وكثرت الفتن حرص المسلمون على المحافظة على الجماعة ونبذ الفرقة، ولهذا لما اجتمعوا على معاوية-رضي الله عنه- عام إحدى وأربعين بعد تنازل الحسن -رضي الله عنه- سموا هذا العام عام الجماعة.
وهكذا يتبين كيف حرص المسلمون على الحديث، وتمييز من يؤخذ عنه، ومن لا يؤخذ عنه، وبروز وصف أهل السنة وأهل الحديث كسمة بارزة لهؤلاء. كما حرص المسلمون على الجماعة، ولذلك أصبح من يعني بالسنة واتباعها ويتجنب البدعة، ولا يخرج على جماعة المسلمين ببدعة ولا بغيرها يسمي من (أهل السنة والجماعة) .
وقد بدأ أهل السنة يصنفون كتباً في العقيدة (يسمونها) كتب السنة يروون فيها بالإسناد عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعن أصحابه وعن التابعين من سلف هذه الأمة، ويركزون في هذه العقائد على بيان وجوب الاتباع وتحريم الابتداع، وعلى وجوب اعتقاد ما كان عليه السلف في الأسماء والصفات، والإيمان والقدر، وغير ذلك من أمور العقيدة، ويركزون -أيضا- على وجوب اتباع الجماعة وعدم الخروج على إمام المسلمين، ولو كان فاسقاً، وكل جانب من هذه الجوانب قد ضلت منه فرقة من الفرق ما بين مُفْرِط ومُفرّط، وأهل السنة وسط بين هؤلاء كما أن المسلمين وسط بين أصحاب الملل.
(1) ليس كلهم، فقد روى الخطيب البغدادي -بسند فيه ابن لهيعة- قال: سمعت شيخاً من الخوارج وهو يقول: إن هذه الأحاديث دين فانظروا عمن تأخذون دينكم، فإنا كنا إذا هوينا أمراً صيرناه حديثاً (الكفاية ص163) .