وكذلك السابقون الأوّلون. واختلف فيهم، فقيل هم من صلى للقبلتين، وقيل هم أهل بيعة الرضوان، وقيل هم أهل بدر. واختلف فيما بين عثمان وعلي ّ رضي الله عنهما، فقيل هما على ترتيبهما في الخلافة، وإليه مال الأشعري، وقيل فيهما بالوقف، وإليه نحا مالك رحمه الله فقيل له في المدوّنة من أفضل الناس بعد نبيهم، فقال أبو بكر ثم عمر أو في ذلك شك؟ وسقط عمر في بعض الروايات، قيل فعلي ّ فعثمان فقال ما أدركت أحدا ممن أقتدي به يفضل أحدهما على الآخر، ولأبي المعالي قريب منه. وقال ابن العربي: وقد كان شيخنا الفهري يقدم عمر كثيرا، ويقول لو قال أحد بتقديمه على أبي بكر لقلته، ويرحم الله الفهري لم يصب وجه النظر بل غاب عنه، إذ لو نظر لعلم أن أبا بكر رضي الله عنه سيد الأمة من غير مدافع، ثم اختلف في تأويل وقف مالك رحمه الله تعالى، فقيل هو وقف على ظاهره، وقيل هو راجع للقول الأوّل انهم على ترتيبهم في الخلافة ويحتمل وقفه
واحدة. واعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم عليه من المدينة وهو في مكة قبل الهجرة ستة أشخاص فتعاقدوا معه على النصر عند عقبة منى، ثم في العام الثاني قدم عليه اثنا عشر فقط فتعاقدوا معه عند العقبة المذكورة، وفي العام الثالث وهو عام الهجرة قدم عليه نحو المائة من المدينة فتعاقدوا معه وتحالفوا على نصره عند العقبة المذكورة فالكل من الأنصار الذين هم من أهل المدينة فلم تظهر التثنية في قوله من أهل العقبتين إلا أن يقال المبايعة مع فرقتين كانت عند عقبة والمبايعة مع الفرقة الثالثة كانت عند عقبة أخرى (قوله وكذلك السابقون) ظاهره أنهم في مرتبة أهل بيعة الرضوان وأنهم مساوون لهم في الفضل، وهذا ظاهر على القول الأوّل فيهم (قوله بالوقف) أي لا يجزم بتفضيل أحدهما على الآخر (قوله فقيل له) أي لمالك في المدونة وفي الكلام تقديم وتأخير: أي ففي المدونة قيل لمالك من أفضل الناس الخ: أي ففي المدونة أن ابن القاسم قال لمالك من أفضل الناس الخ (قوله أو في ذلك شك) الهمزة للاستفهام الانكاري والواو مفتوحة وهي للعطف: أي ولا شك في ذلك (قوله ولأبي المعالي) هو امام الحرمين، وقوله: قريب منه: أي من كلام مالك وهذا آخر كلام القاضي عياض في الاكمال (قوله كان شيخنا الفهري) المراد بالفهري هنا أبو بكر الطرطوشي الأندلسي نزيل سكندرية والمدفون بها، وليس المراد به ابن التلمساني لأنه متأخر عن ابن العربي (قوله يقدم عمر كثيرا) أي يعظمه ويجله ويعترف له بالفضل العظيم والفخر الجسيم (قوله ويرحم الله الخ) هذا من كلام المصنف (قوله بل غاب) أي وجه النظر: أي النظر الوجيه الصواب (قوله مدافع) أي منازع (قوله ثم اختلف الخ) الأولى إسقاط تأويل لأن بعض الأطراف من الخلاف لا تأويل فيه (قوله هو وقف على ظاهره) أي إنه وقف حيرة بمعنى أنه تردّد وتحير في أيهما أفضل لتعارض الأدلة عنده (قوله وقيل هو) أي مالك، وقوله: راجع: أي عن الوقف للقول الأوّل وهذا الكلام بمنزلة الاعتراض بين القول الأوّل الذي يقول ان الوقف على ظاهره وبين القول الثاني وهو أن وقفه إنما كان لما وقع من الاختلاف والتعصب لا لأنه لا يقول بالقول الأوّل. وحاصل القولين أن الوقف الصادر من مالك قيل وقف حقيقة بمعنى التردّد في الأفضل