فهرس الكتاب
الصفحة 454 من 517

فإن قلت: قد وجدنا العالم منا بالشيء يخبر عنه بالكذب. قلنا كلامنا في الخبر النفسي لا في الألفاظ لاستحالة اتصاف الباري تعالى بها، والعالم منا بالشيء يستحيل أن يخبر الجزء من قلبه الذي قام به العلم بخبر كذب على غير وفق علمه، غايته أن يجد في نفسه تقدير الكذب لا الكذب، وأيضا لو اتصف الباري تعالى بالكذب ولا تكون صفته إلا قديمة لاستحال اتصافه بالصدق مع صحة اتصافه به لأجل وجوب العلم له تعالى، ففيه استحالة ما علمت صحته.

(ش) اعلم أن دلالة المعجزة لا يصح أن تكون من جملة الأدلة السمعية إذ يستحيل أن تثبت صحة الأدلة السمعية قبل ثبوت دلالة المعجزة، ثم اختلف الأئمة

راجع لنفي العلم دليلها ما أفاده بقوله: لما عرفت من وجوبه: أي العلم والواجب لا يقبل الانتفاء وإذا بطل التالي وهو نفي العلم، فالمقدم وهو انتفاء الصدق في خبره باطل، فإذن ثبت المطلوب الذي هو استحالة الكذب في خبره تعالى (قوله فإن قلت الخ) وارد على الكبرى المتضمنة أن العلم مستلزم للصدق، فإن مقتضاها أن العالم لا يكون إلا صادقا مع أن العالم قد يخبر بالكذب. وحاصل الجواب أن محل استلزام العلم للصدق إذا كان محل العلم، والخبر المتصف بالصدق واحدا وما أورد اختلف فيه محلهما، لأن ّ محل العلم القلب ومحل الخبر اللسان (قوله في الخبر النفسي) يعني الذي محله محل العلم، وقوله: لا في الألفاظ: أي التي محلها مغاير لمحل العلم.

{تنبيه} الخارق منزل منزلة الكلام النفسي المستحيل فيه الكذب فيستحيل فيه أيضا (قوله العالم الخ) توجيه لما أفهمه الكلام السابق من أن الخبر النفسي تابع للعلم (قوله الجزء الخ) وهو جوهر فرد لأن العلم لا يقوم إلا بجوهر فرد (قوله غايته) أي العالم منا يجد من نفسه تقدير الكذب: أي أنه على فرض أنه فرض أنه يلاحظ الكذب، فإنما هذا أمر تقديري لا تحقيقي والراسخ في قلبه إنما هو الصدق لأن النفس لا تتحدث فيما علمت إلا بصدق (قوله وأيضا ... الخ) وجه آخر من أدلة استحالة الكذب عليه تعالى (قوله ولا تكون صفته إلا قديمة) جملة اعتراضية بين مقدم الشرطية وتاليها، وهي بيان للملازمة التي اشتملت عليها الشرطية قدمها قبل تمامها اعتناء بها، وحينئذ فالواو تعليلية وحذف الاستثنائية وذكر بدليلها، وكأنه قال لو اتصف البارئ بالكذب لاستحال اتصافه بالصدق. لكن التالي باطل لأنه يصح اتصافه بالصدق، وذلك لأنه عالم وكل عالم يصح أنه يخبر على وفق علمه (قوله ففيه) أي اللازم المذكور الذي هو استحالة اتصافه تعالى بالصدق الذي علمت صحته، وهذا زيادة توضيح وإلا فهو معلوم مما قبله (قوله أن دلالة المعجزة) أي على صدق الرسل، وقوله: لا يصح الخ على حذف مضاف: أي لا يصح أن تكون من جملة دلالة الأدلة السمعية، فاندفع ما يقال الاخبار عن دلالة المعجزة بقوله: لا يصح الخ غير مستقيم، لأن الدلالة ليست من جملة الأدلة (قوله إذ يستحيل الخ) فيه أن الاستحالة في المقام متعلقة بثبوت الأدلة السمعية لا بثبوت صحتها، فالمناسب اسقاط لفظ صحة ولفظ دلالة، ويقول إذ يستحيل أن تثبت الأدلة السمعية قبل ثبوت المعجزة، لأن الأدلة السمعية فرع ثبوت الرسالة التي هي فرع ثبوت المعجزة، فلو ثبتت الأدلة السمعية قبل ثبوت المعجزة للزم الدور، وإذا استحال ثبوت الأدلة السمعية قبل ثبوت المعجزة استحال أن تكون دلالة المعجزة من جملة دلالة الأدلة

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام