فهرس الكتاب
الصفحة 358 من 517

فخرقوا حجب التوهمات المظلمة، وبرزوا إلى شموس المعرفة، فأدركوا بها الأمر كيف هو لكانوا كغيرهم، وإن كان العبد بحسب الظاهر كأنه موجد له، وبهذا المعنى فسر بعضهم معنى الكسب فتعليق الثواب والعقاب على فعله حسنان شرعا وعرفا وعقلا، ولهذا يحسن أن يمدح ويذم على تلك الأفعال. وأما إن نظرنا إلى الباطن وإلى حقيقة الأمر لم يصح جعل فعله سببا لشيء، اللهم إلا أن يطلق عليه لفظ السبب بمعنى الأمارة الشرعية فصحيح، وقد جاء القرآن والسنة بملاحظة الأفعال تارة نحو -ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون - ونحوه وتارة بلغوه نحو لا يدخل الجنة أحد بعلمه، ولعله لملاحظة الأمرين: الجبر بحسب ما في نفس الأمر، والاختيار بحسب الظاهر وعرف التخاطب، وهو المراد من قولي: فصح فيه رعى الأمري، ويحتمل أن يكون ذلك الاختلاف لملاحظة كونه أمارة شرعية وملاحظة نفي الدلالة عنه عقلية والله أعلم. واعلم أن لأهل السنة على المعتزلة الزامات كثيرة يطول تتبعها، وفيما ذكرناه من ذلك كفاية، والله أعلم.

للعبد (قوله فخرقوا حجب التوهمات) من اضافة المشبه به للمشبه وخرقوا ترشيح للتشبيه بمعنى جاوزوها وتعدّوا عنها (قوله وبرزوا الخ) أي ظهروا إلى المعرفة الشبيهة بالشموس فكانت المعرفة وراء التوهمات المظلمة (قوله بها) أي العقول المؤيدة (قوله كيف هو) أي أدركوا الأمر على حقيقته فكيف ليست للاستفهام (قوله لكانوا الخ) جواب لولا وأراد بالغير القدرية (قوله وإن كان الخ) معلوم مما تقدّم (قوله وبهذا المعنى) أي كون العبد موجدا لأفعاله بحسب الظاهر (قوله فسر الخ) ولم يفسره بما تقدّم للمصنف من أنه مقارنة القدرة الحادثة للمقدور (قوله فتعليق الثواب الخ) أي إذا علمت أن العبد الموجد لأفعاله بحسب الظاهر فتعليق الثواب والعقاب على فعله حسن عقلا لأنه علة لها، وأما قوله شرعا وعرفا فلا يترتب على ما قبله نعم علم مما تقدّم أنه حسن شرعا لأنه أمارة على الثواب والعقاب، وأما كونه حسنا عرفا فلم يعلم مما تقدّم أصلا قوله والعقاب) ليس عطفا على الثواب، وإلا لزم الاخبار بالمثنى عن المفرد بل هو معطوف على تعليق على حذف المضاف وإبقاء المضاف إليه على جره: أي تعليق الثواب وتعليق العقاب على فعله حسنان (قوله ولهذا) أي لكون العبد موجدا لأفعاله بحسب الظاهر (قوله وأما الخ) أي ما ذكر من أن تعليق الثواب والعقاب على الفعل حسن عقلا إن لم تنظر للباطن، واما الخ (قوله سببا) أي عقليا (قوله ونحوه) يغني عنه نحو الأوّل (قوله بلغوه) الأولى بلغوها: أي ملاحظة الافعال (قوله ولعله) أي ولعل ّ ما ذكر من مجيء القرآن بملاحظة الأفعال ومجيء السنة بعدم ملاحظتها، وهذا إشارة لوجه الجمع بين الآية والحديث فلا يقال إن بينهما تدافعا (قوله ويحتمل أن يكون ذلك الاختلاف) أي الذي جاء به القرآن والسنة وهذا وجه آخر للجمع بين الآية والحديث (قوله لملاحظة الخ) أي وعليه درج القرآن (قوله أمارة شرعية) أي على الثواب والعقاب (قوله وملاحظة الخ) أي وملاحظة عدم دلالة الفعل على الثواب والعقاب وعليه درج الحديث، ولا يخفى أن العقل هنا هو مرجع الباطن في الوجه الأوّل والشرع هنا مرتب على الظاهر في الوجه الأوّل، وحينئذ فالأمران متغايران (قوله عقلية) حال.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام