قال - رحمه الله تعالى: (وَلَهُمْ شُبْهَةٌ أُخْرَى، وَهِي قِصَّةُ إِبْرَاهِيمَ - عليه السلام - لَمَّا أُلْقِيَ في النَّارِ اعْتَرَضَ لَهُ جِبْرَائِيلُ - عليه السلام - فِي الْهَوَاءِ فَقَالَ: أَلَكَ حَاجَةٌ؟. فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ - عليه السلام: أَمَّا إِلَيْكَ فَلاَ. قَالُوا: فَلَوْ كَانَتِ الاسْتِغَاثَةُ بِجِبْرَائِيلَ - عليه السلام - شِرْكاً لَمْ يَعْرِضْهَا عَلَى إِبْرَاهِيمَ)
هذه الجملة ذكر فيها المصنف - يرحمه الله - شُبْهَة للخصوم، حقيقتها: ذكر مثل وقع للاستشفاع بغير الله - عز وجل - إمكاناً، فدل على جوازه استعمالاً، وذلك ما أخرجه ابن جرير الطبري [1] من خبر المعتمر التيمي - يرحمه الله - عن بعض أصحابه أنه ذكر أن جبرائيل - عليه السلام - عرض لإبراهيم - عليه السلام - لما أُضْرِمَتْ له النار، وأُلْقِيَ فيها، فعرض عليه المساعدة، وأن ينفعه في ذلك الوقت، فقال له إبراهيم: (أما إِلَيْكَ فلا) .
فَعَرْضُ جبريل - عليه السلام - على نبي الله إبراهيم - عليه السلام - المساعدة في مثل هذا دليل على جواز إيقاع تلك المساعدة والاستشفاع بالغير في مثل هذه النازلة، وهذه النازلة كرب، وطلب زوال الكرب والشدة هو ما يسمى في اللُّغَة: استغاثة، فكون الأمر سائغاً إيقاعه بدليل عرض جبريل - عليه السلام - على نبي الله إبراهيم - عليه السلام - ذلك دليل على صحة ما يفعله أولئك عند القبور من دعاء الأولياء فيها بزعمهم ونحو ذلك.
(1) أخرجه ابن جرير في [تفسيره 17/ 45] وعزاه ابن كثير في [تفسيره 3/ 193] إِلى بعض السلف.