كما في [المجموع] : '' ولهذا لم يعرف قط أن الصدِّيق ونحوه من أكابر الصحابة سألوا شيئاً من ذلك، ولا سألوه أن يدعو لهم، وإن كانوا يطلبون منه أن يدعو للمسلمين [1] ، وإنما كان سأله ذلك بعض المسلمين كما سأله الأعمى أن يرد عليه بصره، وكما سألته أم سليم أن يدعو الله لخادمه أنس [2] ، وكما سأله أبو هريرة أن يدعو الله أن يُحَبِّبَه وأمه إِلى عباده المؤمنين [3] ، ونحو ذلك ''. وسبق في [شرح التوحيد] أن السؤال أنواع [4] .
(1) أخرج البخاري من حديث: إيلاء النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - من نسائه شهراً - عن عمر ابن الخطاب - رضي الله عنه - وفيه ( ... فَقُلْتُ ادْعُ اللَّهَ فَلْيُوَسِّعْ عَلَى أُمَّتِكَ فَإِنَّ فَارِسَ وَالرُّومَ وُسِّعَ عَلَيْهِمْ وَأُعْطُوا الدُّنْيَا وَهُمْ لا يَعْبُدُونَ اللَّهَ، وَكَانَ مُتَّكِئًا، فَقَالَ: أَوَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ! أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَغْفِرْ لِي ... ) .
(2) أخرج مسلم بسنده ( ... عن أَنَسٌ قَالَ جَاءَتْ بِي أُمِّي أُمُّ أَنَسٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ أَزَّرَتْنِي بِنِصْفِ خِمَارِهَا وَرَدَّتْنِي بِنِصْفِهِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا أُنَيْسٌ ابْنِي أَتَيْتُكَ بِهِ يَخْدُمُكَ فَادْعُ اللَّهَ لَهُ فَقَالَ اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ قَالَ أَنَسٌ فَوَاللَّهِ إِنَّ مَالِي لَكَثِيرٌ وَإِنَّ وَلَدِي وَوَلَدَ وَلَدِي لَيَتَعَادُّونَ عَلَى نَحْوِ الْمِائَةِ الْيَوْمَ) .
(3) روى مسلم بسنده عن أَبِي هُرَيْرَةَ في قصة إسلام أمه وفيه ( ... قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُحَبِّبَنِي أَنَا وَأُمِّي إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَيُحَبِّبَهُمْ إِلَيْنَا قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - اللَّهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا يَعْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ وَأُمَّهُ إِلَى عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ وَحَبِّبْ إِلَيْهِمُ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا خُلِقَ مُؤْمِنٌ يَسْمَعُ بِي وَلا يَرَانِي إِلاَّ أَحَبَّنِي) .
(4) والآتي مقتبس بتصرف من شرح كتاب [التوحيد] الموسوم بـ [إفادة المستفيد] : (وَمِنْ ثَمَّ يعرف أن الاستغاثة أخص من الدعاء مطلقاً إذ إن الدعاء قد يكون عند نزول شدة وقد يكون في حال الرخاء، وهذا مُتَعَلِّق بدعاء المسألة لا بدعاء العبادة والثناء إذ إن الدعاء قسمان: أما القسم الأول: فيسمونه: دعاء الطلب والمسألة، وهو طلب العبد منفعة، إما بجلب مصلحة أو بدفع مضرة، ويُستدل على هذا النوع بوجود الطلب والسؤال في مثل هذا الدعاء سواءً كان في القرآن أو أدعية السنة أو غير ذلك. وأما القسم الثاني: فيسمى بـ: دعاء العبادة والثناء، وهو مُتَعَلِّق بجنس العبادة، إذ إن كل عبادة يعملها العبد فلسان حاله يطلب من الله تعالى جنته ويسأله البعد عن ناره، ولذلك عُدّ دعاءٌ من هذا الباب، وإلا فالأصل إذا أطلق الدعاء في لسان الشارع أن يُقصد به القسم الأول وهو دعاء المسألة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:(أكثر أهل العلم أجمعوا على أن المقصود في جمل الدعاء الموجودة في القرآن والسنة وكلام الصحابة أن المقصود بذلك دعاء الطلب والمسألة) قال رحمه الله (وهو الأصل إذا أطلق) .