الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وهذا هو الأصل؛ ولذلك جاءت الآيات ناعتة هؤلاء بعبادة اللّه وأنهم عباده - سبحانه وتعالى - كما في قوله - عز وجل - {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} [1] أَيْ: أنهم المحبون له المتذللون لأمره ونهيه - سبحانه وتعالى -.
وأما المعنى الثاني:
فهو العبد المذلل المسخر لأمر اللّه القدري الذي لا يخرج عن أمره وقدره - سبحانه وتعالى -، وهذا يشمل جميع العباد مؤمنهم وكافرهم، ولذلك جاء في قوله - عز وجل - {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ} [2] وهؤلاء العباد كفار ضلوا السبيل ودخلوا النار ومع ذلك سماهم الله عباداً، بمعنى: المذللين المسخرين، وذلك يتفق مع المعنى اللُّغَوي للعبادة؛ لأن العبادة مأخوذة من قولهم: هذا طريق معبد، وهذه ناقة معبدة، يعني: ناقة ذَلُول، وطريق مُذَلَّل مُسَهَّل، وهذا المعنى موجود في المعنيين السابقين خصوصاً المعنى الثاني، فأراد المصنف - يرحمه اللّه - في قوله (عبيده) المعنى الثاني أَيْ المذللين المسخرين لأمره القدري لا يخرجون عنه، وأوضحه بجملة أخرى وهى قوله: (وتحت تصرفه وقهره) فكلمة تصرفه: يُعنى بها تدبيره - سبحانه وتعالى -؛ فهو يصرف الأشياء كيف شاء ولا يكون ذلك إلا عن مشيئته - عز وجل - ولا يشاء إلا عن حكمة عظيمة بالغة - سبحانه وتعالى -.
(1) سورة الفرقان الآية (63) .
(2) سورة الفرقان الآية (17) .