وقد سبق الكلام عن وجه هذا الاقتران في الكلام عن اسمه سبحانه (الغفور) فليرجع إليه، وقد وقفت بعد ذلك على كلام نفيس للإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى - يفصل القول في سر اقتران هذين الاسمين الكريمين فيقول:"يا من عزم على السفر إلى الله والدار الآخرة: قد رُفع لك علمٌ فشمِّر إليه فقد أمكن التشمير، واجعل سيرك بين مطالعة منَّته، ومشاهدة عيب النفس والعمل والتقصير، فما أبقى مشهدُ النعمة والذنب للعارف من حسنةٍ يقول: هذه مُنجيتي من عذاب السعير، ما المُعوَّل إلا على عفوه ومغفرته فكلُّ أحدٍ إليهما فقير: (أبوء لك بنعمتك عليَّ وأبوء بذنبي فاغفر لي) ؛ أنا المذنب المسكين وأنت (الرحيم الغفور) ."
ما تُساوي أعمالُك - لو سَلِمَتْ مما يُبطلها - أدنى نعمةٍ من نعمه عليك، وأنت مرتهنٌ بشكرها من حين أُرسل بها إليك، فهل رعيتها بالله حقَّ رعايتها وهي في تصريفك وطوع يديك؟ فتعلّق بحبل الرجاء؛ وادخل من باب التوبة والعمل الصالح: {إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) } [فاطر:30] .
نهج للعبد طريق النجاة وفتح له أبوابها، وعرفه طريق تحصيل السعادة وأعطاه أسبابها، وحذره من وبال معصيته وأشهده على نفسه وعلى غيره شؤمها وعقابها، وقال: إن أطعت فبفضلي؛ وأنا أشكر، وإن عصيت فبقضائي، وأنا أغفر: {إِن رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) } [فاطر:34] .
أزاح عن العبد العلل، وأمره أن يستعيذ به من العجز والكسل، ووعده أن يشكر له القليل من العمل، ويغفر له الكثير من الزلل: {إِن رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) } [فاطر:34] .
أعطاه ما يشكر عليه ثم يشكره على إحسانه إلى نفسه لا على إحسانه إليه، ووعده على إحسانه لنفسه أن يُحسن جزاءه ويقربه لديه، وأن يغفر له خطاياه إذا تاب منها ولا يفضحه بين يديه: {إِن رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} .