والثانية: كحق الضيف، ومكافأة المهدي، وما وقى به عرضه ونحو ذلك، فالجواد يتوخى بماله أداء هذه الحقوق على وجه الكمال طيبة بذلك نفسه راضيةً مؤملة للخلف في الدنيا والثواب في العقبى، فهو يخرج ذلك بسماحة قلب وسخاوة نفس وانشراح صدر بخلاف المبذر فإنه يبسط يده في ماله بحكم هواه وشهوته جزافًا لا على تقدير، ولا مراعاة مصلحة وإن اتفقت له.
فالأول بمنزلة من بذر حبة في الأرض تنبت وتوخى ببذره مواضع المَغْل والإنبات فهذا لا يعد مبذرًا ولا سفيهًا. والثاني بمنزلة من بذر حبة في سباخٍ وعزاز من الأرض، وإن اتفق بذره في محل النبات بذر بذرًا متراكمًا بعضه على بعض، فذلك المكان البذر فيه ضائع معطل، وهذا المكان بذر بذرًا متراكمًا على بعض، فلذلك يحتاج أن يقلع بعض زرعه ليصلح الباقي ولئلا تضعف الأرض عن تربيته.
والله سبحانه هو الجواد على الإطلاق بل كل جود في العالم العلوي والسفلي بالنسبة إلى جوده أقل من قطرة في بحار الدنيا وهي من جوده، ومع هذا فإنما ينزل بقدر ما يشاء، وجوده لا يناقض حكمته، ويضع عطاءه مواضعه وإن خفي على أكثر الناس أن تلك مواضعه فالله يعلم حيث يضع فضله وأي المحال أولى به" (1) ."
لم يرد ذكر اسمه سبحانه (المحسن) في القرآن الكريم وإنما ورد بصيغة الفعل. قال الله تعالى: {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [القصص: 77] ، ولكن ورد هذا الاسم الكريم في السنة المطهرة، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا حكمتم فاعدلوا وإذا قلتم فأحسنوا فإن الله محسن يحب الإحسان) (2) .
(1) الروح ص 498، 499.
(2) رواه ابن عدي في الكامل 6/ 2145، وأبو نعيم في أخبار أصبهان 2/ 213، وحسنه الألباني في الصحيحة (470) .