وفي هذا الجود من سلامة الصدر، وراحة القلب، والتخلص من معاداة الخلق ما فيه.
الثامنة: الجود بالصبر، والاحتمال، والإغضاء، وهذه مرتبة شريفة من مراتبه، وهي أنفع لصاحبها من الجود بالمال، وأعزّ له وأنصر، وأملك لنفسه، وأشرف لها، ولا يقدر عليها إلا النفوس الكبار.
فمن صعب عليه الجود بماله فعليه بهذا الجود، فإنه يجتني ثمرة عواقبه الحميدة في الدنيا قبل الآخرة ...
التاسعة: الجود بالخُلق والبشر والبسطة؛ وهو فوق الجود بالصبر، والاحتمال والعفو؛ وهو الذي بلغ بصاحبه درجة الصائم القائم؛ وهو أثقل ما يوضع في الميزان. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تَحْقِرَنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك ووجهك منبسط إليه) (1) وفي هذا الجود من المنافع والمسار، وأنواع المصالح ما فيه؛ والعبد لا يمكنه أن يسع الناس بماله ويمكنه أن يسعهم بخلقه واحتماله.
العاشرة: الجود بتركه ما في أيدي الناس لهم، فلا يلتفت إليه. ولا يستشرف له بقلبه، ولا يتعرض له بحاله، ولا لسانه؛ وهذا الذي قال عبد الله بن المبارك:"إنه أفضل من سخاء النفس بالبذل".
ولكل مرتبة من مراتب الجود مزيد وتأثير خاص في القلب والحال، والله سبحانه قد ضمن المزيد للجواد، والإتلاف للممسك، والله المستعان" (2) ."
الفرق بين الجود والتبذير:
ومع أن الجود ممدوح ومحبوب إلى الله تعالى، فإنه ينبغي التفريق بين الجود الممدوح وبين السرف والتبذير المذمومين، وبيَّن الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى - الفرق بين الجود والإسراف فقال:"والفرق بين الجود والسرف، أن الجواد حكيم يضع العطاء مواضعه، والمسرف مبذر، وقد يصادف عطاؤه موضعه، وكثيرًا لا يصادفه، وإيضاح ذلك أن الله سبحانه بحكمته جعل في المال حقوقًا وهي نوعان:"
حقوق موظفة، وحقوق ثانية، فالحقوق الموظفة كالزكاة والنفقات الواجبة على من تلزمه نفقته.
(1) أبو داود (4084) ، وروى نحوه مسلم (2626) .
(2) مدارج السالكين 2/ 293 - 296 (باختصار) .