وفي هذه الآية إرشاد إلى التدبر في معاني أسماء الله وصفاته، وأن الخلق والأمر صادر عنها، وهي مقتضية له. ولهذا يعلل الأحكام بالأسماء الحسنى، كما في هذه الآية. لما ذكر عمل الخير والعفو عن المسيء رتب على ذلك بأن أحالنا على معرفة أسمائه وأن ذلك يغنينا عن ذكر ثوابها الخاص (1) .
والعفو الممدوح هو الذي يصدر عن قادر على الانتقام ثم هو يعفو، وكماله لا يكون إلا من الله تعالى الذي عفوه ومغفرته ناشئان عن قدرته وحكمته لا عن عجز وضعف، ولذا قرن الله - عز وجل - بين عفوه وقدرته، فهو سبحانه كامل في عفوه وكامل في قدرته وكامل في عفوه مع مقدرته.
رابعًا: اقتران اسمه سبحانه (القدير) باسميه سبحانه (الغفور الرحيم) :
قال الله تعالى: {* عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7) } [الممتحنة: 7] .
ووجه الاقتران هنا شبيه بما قبله وذلك أن رحمة الله - عز وجل - ومغفرته إنما هي عن مقدرة لا عن ضعف، كما أن في اقتران هذه الأسماء الحسنى في ختام هذه الآية مناسبة لمقام الآية؛ وذلك كما يقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى:"والله قدير على كل شيء، ومن ذلك هداية القلوب وتقليبها من حال إلى حال، والله غفور رحيم لا يتعاظمه ذنب أن يغفره ولا يكبر عليه عيب أن يستره ... وفي هذه الآية إشارة إلى إسلام بعض المشركين الذين كانوا إذ ذاك أعداء للمؤمنين وقد وقع ذلك ولله الحمد والمنة" (2) .
(1) تفسير السعدي عند الآية (149) من سورة النساء.
(2) تفسير السعدي عند الآية (7) من سورة الممتحنة.