وتأمَّل كيف جَرَّد الخير هنا عن الفاء فقال: {لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} ، وقرنه بالفاء في قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [البقرة: 274] فإنَّ الفاء الداخلة على خبر المبتدأ الموصول أو الموصوف تفهم معنى الشَّرط والجزاء، وأنه مستحقٌ بما تضمنه المبتدأ من الصِّلة أو الصفة. فلما كان هنا يقتضي بيان حصر المستحق للجزاء دون غيره، جَرَّد الخبر عن الفاء، فإنَّ المعنى: إن الذي ينفق ماله لله ولا يمنّ ولا يؤذي، هو الذي يستحق الأجر المذكور، لا الذي ينفق لغير الله ويَمنُّ ويُؤذي بنفقته، فليس المقام مقام شرطٍ وجزاء، بل مقام بيان للمستحق دون غيره.
وفي الآية الأخرى ذَكَرَ الإنفاق بالليل والنهار سرًا وعلانية، فذكر عموم الأوقات وعموم الأحوال، فأتى بالفاء في الخبر ليدل على أن الإنفاق في أي وقتٍ وُجِدَ من ليلٍ أو نهار، وعلى أي حالة وُجد من سر وعلانية فإنه سبب للجزاء على كل حال، فليبادر إليه العبد ولا ينتظر به غير وقته وحاله. ولا يُؤخر نفقة الليل إذا حضر إلى النهار، ولا نفقة النهار إلى الليل، ولا ينتظر بنفقة العلانية وقت السر، ولا بنفقة السر وقت العلانية، فإن نفقته في أي وقت وعلى أي حال وجدت سببًا لأجره وثوابه، فتدبر هذه الأسرار في القرآن فلعلك لا تظفر بها فيما يمر بك في التفاسير، والمنة والفضل لله وحده لا شريك له" (1) ."
لم يرد ذكر هذا الاسم الكريم في القرآن الكريم وإنما جاء ذلك في السُّنَّة عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى جواد يحب الجود ويحب معالي الأخلاق ويكره سفاسفها) (2) .
(1) طريق الهجرتين ص 365 - 368 (باختصار) .
(2) صححه الألباني في صحيح الجامع (1744) ، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (1627) ، وأخرجه أبو نعيم في الحلية 5/ 29.