ونزَّهوه أن يفعل شيئًا لشيءٍ؛ بل أفعاله لا لحكمةٍ ولا لغرضٍ مقصودٍ، ونزَّهوه أن يكون تامَّ المشيئة نافذَ الإرادةِ؛ بل يشاء الشيء ويشاء عبادُه خلافه؛ فيكون ما شاء العبد دون ما شاء الربُّ؛ ولا يشاء الشيء فيكون ما لا يشاء ويشاء ما لا يكون؛ وسموا هذا: عدلاً؛ كما سموا ذلك التنزيه: توحيدًا.
ونزَّهوه عن أن يُحِبَّ أو يُحَبَّ، ونزَّهوه عن الرأفة والرحمة والغضب والرضا، ونزَّهه آخرون عن السمع والبصر؛ وآخرون عن العلم، ونزهه آخرون عن الوجود؛ فقالوا: الذي فرَّ إليه هؤلاء المُنزِّهون من التشبيه والتمثيل: يلزمنا في الوجود؛ فيجب علينا أن نُنزِّهه عنه.
فهذا تنزيه الملحدين؛ والأول تنزيه المرسلين" (1) ."
كما يفصل ابن القيم - رحمه الله تعالى - في القاعدة الثانية وهي"الإثبات"فيقول:"رؤوس المثبتة: آدم، ونوح، وهود، وصالح، ولوط، وشعيب، وإبراهيم الخليل، وسائر الأنبياء من ذريته، وموسى الكليم، وعيسى."
وجاء خاتمهم وآخرهم وأعلمهم بالله سيِّد ولد آدم: محمد بن عبدالله، عبدالله ورسولُه، فجاء بالإثبات المفصَّل الذي لم يأت رسولٌ بمثله، فصرَّح من إثبات الصفات والأفعال بما لم يُصرِّح به نبيٌّ قبله؛ وذلك لكمال عقول أمته؛ وكمال تصديقهم؛ وصحة أذهانهم.
فرسول الله صلى الله عليه وسلم حامل لواء الإثبات، وتحت ذلك اللواء: آدم وجميع الأنبياء وأتباعهم، ثم المهاجرون، والأنصار، وأهل بدر، وأهل بيعة الرضوان وسائر الصحابة، ثم التابعون لهم بإحسان ممن لا يحصيهم إلا الله، ثم أتباع التابعين، ثم أئمة الفقه في الأعصار والأمصار - منهم الأئمة الأربعة - ثم أهل الحديث قاطبة، وأئمة التفسير، والتصوُّف، والزهد، والعبادة المقبولون عند الأمة ممن لا يحصي عددهم إلا الله.
فهل سُمعَ في الأولين والآخرين بمثل أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلى، والعشرة المشهود لهم بالجنة، وسائر المهاجرين والأنصار؟
(1) الروح ص 577 - 579، دار ابن كثير ت: يوسف بديوي.