فهرس الكتاب
الصفحة 40 من 683

ويقول في موطن آخر:"الفرق بين تنزيه الرسل وتنزيه المعطلة: أن الرسل نزَّهوه سبحانه عن النقائص والعيوب التي نزَّه نفسه عنها وهي المنافية لكماله وكمال ربوبيته وعظمته كالسِّنة، والنوم، والغفلة، والموت، واللغوب والظلم وإرادته، والتسمِّي به، والشريك، والصاحبة والظهير، والولد والشفيع بدون إذنه وأن يترك عباده سدى هملاً وأن يكون خَلَقَهم عبثًا، وأن يكون خَلَقَ السماوات والأرض وما بينهما باطلاً لا لثواب ولا عقابٍ؛ ولا أمرٍ ولانهيٍ، وأن يُسوِّي بين أوليائه وأعدائه؛ وبين الأبرار والفجار؛ وبين الكفار والمؤمنين، وأن يكون في مُلكه ما لا يشاء أن يحتاج إلى غيره بوجهٍ من الوجوه، وأن يكون لغيره معه من الأمر شيءٌ؛ وأن يعرض له غفلةٌ أو سهوٌ أو نسيانٌ؛ وأن يُخلف وَعْدَه أو تُبدَّل كلماتُه، أو يُضاف إليه الشرُّ اسمًا أو وصفًا أو فعلاً، بل أسماؤه كلُّها حسنى؛ وصفاته كلُّها كمالٌ؛ وأفعاله كلُّها خيرٌ وحكمةٌ ومصلحةٌ، فهذا تنزيه الرسل لربِّهم."

وأما المعطلون فنزَّهوه عما وصف به نفسه من الكمال، فنزَّهوه عن أن يتكلَّم أو يُكلِّم أحدًا، ونزَّهوه عن استوائه على عرشه؛ وأن تُرفع إليه الأيدي؛ وأن يصعد إليه الكلم الطيِّب؛ وأن ينزل من عنده شيءٌ؛ أو تعرج إليه الملائكة والروح؛ وأن يكون فوق عباده وفوق جميع مخلوقاته عاليًا عليها، ونزَّهوه أن يقبض السماوات بيده والأرض باليد الأخرى؛ وأن يُمسك السماوات على أصبع والأرض على أصبع والجبال على أصبع والشجر على أصبع، ونزَّهوه أن يكون له وجهٌ؛ وأن يراه المؤمنون بأبصارهم في الجنة؛ وأن يُكلِّمهم ويُسلِّم عليهم ويتجلَّى لهم ضاحكًا؛ وأن ينزل كلَّ ليلةٍ إلى السماء الدنيا فيقول: (من يستغفرني فأغفر له؛ من يسألني فأعطيه) (1) . فلا نزول عندهم ولا قولٌ.

(1) البخاري (1145) و (6321) مع تقديم السؤال على الاستغفار.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام