سادسًا: كما يثمر هذا الشعور عدم الركون إلى شيء من هذه الدنيا الفانية وجعلها مصدر العزة والقوة فكم رأينا وسمعنا من كثير من الناس الذين اغتر بعضهم بماله أو جاهه أو ولده أو سلطانه ومنصبه فكانت كلها سببًا في إذلاله واستخذائه وشقائه، وصدق من قال:"نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله"، وإنا لنجد مصداق هذا الكلام في واقعنا البائس اليوم حيث إنه لما ركن كثير من الأفراد والطوائف والدول إلى غير الله - عز وجل - يبتغون عندهم العزة أذلهم الله وجعلهم في ذيل الركب ومؤخرة الأمم، وصدق الله - عز وجل - ومن أصدق من الله قيلاً: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139) } [النساء: 138 - 139] .
سابعًا: من أسباب العزة العفو والتواضع والذلة للمؤمنين قال الله تعالى في وصف عباده الذين يحبهم ويحبونه: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة: 54] ، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه) (1) ، فمن عفا عن شيء مع قدرته على الانتقام، عظم في القلوب في الدنيا وفي الآخرة بأن يعظم الله ثوابه.
ثامنًا: سمى الله تبارك وتعالى كتابه: (العزيز) وذلك في قوله سبحانه: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) } [فصلت: 41، 42] .
(1) مسلم (2588) .