فإذا عرف العبد عز سيده ولاحظه بقلبه، وتمكن شهوده منه، كان الاشتغال به عن ذل المعصية أولى به وأنفع له، لأنه يصير مع الله لا مع نفسه.
ومن معرفة عزته في قضائه: أن يعرف أنه مدبَّر مقهور، ناصيته بيد غيره. لا عصمة له إلا بعصمته، ولا توفيق له إلا بمعونته، فهو ذليل حقير، في قبضة عزيز حميد" (1) ."
رابعًا: ومن شهود عزته أيضًا في قضائه: أن يشهد أن الكمال والحمد، والغناء التام، والعزة، كلَّها لله، وأن العبد نفسَه أولى بالتقصير والذمِّ، والعيب والظلم والحاجة، وكلما ازداد شهوده لذله ونقصه وعيبه وفقره، ازداد شهوده لعزة الله وكماله، وحمده وغناه؛ وكذلك العكس، فنقص الذنب وذلَّتُه يُطلعه على مشهد العِزَّة (2) .
خامسًا: يثمر الإيمان بهذا الاسم الكريم العزة في قلب المؤمن ومهما ابتغى العبد العزة عند غير الله تعالى وفي غير دينه فلن يجدها ولن يجد إلا الذل والضعف والهوان قال الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [فاطر: 10] ، وقال سبحانه رادًا على المنافقين الذين رأوا العزة عندهم: {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8) }
[المنافقون: 8] .
والشعور بهذه العزة تثمر التعالي على الباطل وأهله وعدم الاستكانة لهم مهما تسلطوا على العبد فغاية ما يقدرون عليه الأذى الظاهري، أما القلب فما دام مملوءًا بالإيمان والاعتزار بالقوي العزيز فلن يصلوا إليه ولن يسيطروا عليه ولن يتطرق إليه الوهن والضعف أبدًا.
(1) مدارج السالكين 1/ 205.
(2) مدارج السالكين 1/ 205.