فهرس الكتاب
الصفحة 16 من 683

ورابعها: تعطيل الأسماء عن معانيها، وجحد حقائقها، كقول من يقول من الجهمية وأتباعهم: أنها ألفاظ مجردة لا تتضمن صفات، ولامعاني فيطلقون عليه اسم السميع والبصير، والحي والرحيم، والمتكلم والمريد ويقولون: لا حياة ولا سمع، ولا بصر، ولا كلام، ولا إرادة تقوم به. وهذا من أعظم الإلحاد فيها عقلاً وشرعًا، ولغة وفطرة، وهو يقابل إلحاد المشركين فإن أولئك أعطوا أسماءه وصفاته لآلهتهم، وهؤلاء سلبوه صفات كماله وجحدوها وعطلوها فكلاهما ملحد في أسمائه، ثم الجهمية وفروخهم متفاوتون في هذا الإلحاد، فمنهم الغالي، والمتوسط، والمنكوب.وكل من جحد شيئًا عما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله فقد ألحد في ذلك فليستقل أو يستكثر.

وخامسها: تشبيه صفاته بصفات خلقه تعالى الله عما يقول المشبهون علوًا كبيرًا فهذا الإلحاد في مقابلة إلحاد المعطلة فإن أولئك نفوا صفة كماله وجحدوها. وهؤلاء شبهوها بصفات خلقه، فجمعهم الإلحاد، وتفرقت بهم طرقه، وبرأ الله أتباع رسوله وورثته القائمين بسنته عن ذلك كله فلم يصفوه إلا بما وصف به نفسه، ولم يجحدوا صفاته، ولم يشبهوها بصفات خلقه، ولم يعدلوا بها عما أنزلت عليه لفظًا ولا معنى؛ بل أثبتوا له الأسماء والصفات، ونفوا عنه مشابهة المخلوقات فكان إثباتهم بريًا من التشبيه وتنزيههم خليًا من التعطيل. لا كمن شبه حتى كأنه يعبد صنمًا أو عطل حتى كأنه لا يعبد إلا عدمًا. وأهل السنة وسط في النحل. كما أن أهل الإسلام وسط في الملل توقد مصابيح معارفهم من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار، نور على نور، يهدي الله لنوره من يشاء.

فنسأل الله تعالى أن يهدينا لنوره ويسهل لنا السبيل للوصول إلى مرضاته ومتابعة رسوله إنه قريب مجيب" (1) 1)."

وقال - رحمه الله تعالى - في نونيته المشهورة:

(أسماؤه أوصاف مدح كلها مشتقة قد حملت لمعان

(1) بدائع التفسير 2/317/ 318.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام