رواه أحمد.
11 -باب لا يُذبح لله بمكانٍ يُذبح فيه لغير الله [1]
وقول الله تعالى: {لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا} [2]
(1) قوله: «باب لا يُذبح لله في مكان يُذبح فيه لغير الله» لا: نافية، ويحتمل أنها للنهي وهو أظهر. قاله في «فتح المجيد» *.
ذكر المصنف رحمه الله هذه الترجمة في النهي عن الذبح لله في المكان الذي يُذبح فيه لغير الله لئلا تقع مشابهة أهل الشرك في ذبحهم لطواغيتهم.
(2) قوله: «وقول الله تعالى: {لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا} الآية» هذا نهي من الله تعالى لنبيه أن يقوم في مسجد الضرار الذي بناه المنافقون ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين وإرصاد لمن حارب الله ورسوله والأمة تبعٌ له في ذلك. والشاهد من الآية للترجمة أن الله نهى رسوله أن يقوم في مسجد الضرار؛ لأنه أُسِس على معصية الله، مع أنه لا يقوم فيه إلا لله فكذلك المواضع التي أُعدت للذبح لغير الله لا يجوز أن يذبح فيها الموحد لله؛ لأنها قد أُسست على معصية الله والشرك به. وقد كان سبب نزول هذه الآيات الكريمة أنه كان بالمدينة قبل مقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل من الخزرج يقال له أبوعامر الراهب وكان قد تنصّر في الجاهلية وكان له شرف في الخزرج كبير فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة واجتمع المسلمون عليه وأظهرهم الله يوم بدر شَرِق اللعين بريقه وخرج إلى مكة، فألَّبهُم على حرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاجتمعوا بمن وافقهم من أحياء العرب وقدموا عام أُحد، وكان من أمر المسلمين ما كان، وامتحنهم الله عز وجل، وكانت العاقبة للمتقين، وكان هذا الفاسق قد حَفر حُفراً فيما بين الصفين فوقع في إحداهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأُصيب ذلك اليوم
وجهه وكُسرت رباعيته اليمنى السفلى، وشُجّ رأسه صلوات الله وسلامه
عليه، وتقدّم أبو عامر في أول المبارزة إلى قوم من الأنصار فخاطبهم
فاستمالهم إلى نصره، فقالوا: لا أنعم الله بك عيناً يا فاسق. فرجع وهو يقول: والله لقد أصاب قومي بعدي شر. وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد دعاه قبل فراره وقرأ عليه القرآن فأبى أن يسلم وتمرد، فدعا عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يموت بعيداً طريداً فنالته هذه الدعوة، وذلك أنه لما فرغ الناس من أُحُد ورأى أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ارتفاع ذهب إلى هرقل ملك الروم يستنصره على النبي - صلى الله عليه وسلم - فوعده ومنّاه وأقام عنده وكتب إلى جماعة من قومه من أهل النفاق يعدهم أنه سيقدم بجيش يقاتل به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأمرهم أن يتخذوا له معقلاً لمن يقدم عليهم من عنده، فشرعوا في بناء المسجد الضرار، وذكروا أنهم بنوه للضعفة وأهل العلّة في الليلة الشاتية وطلبوا من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يصلي فيه، وكان قد تأهَّب للخروج إلى غزوة تبوك، فقال: «إذا رجعنا إن شاء الله تعالى» فلما قفل راجعاً إلى المدينة ولم يبقَ بينه وبينها إلا يوم أو بعض يوم، نزل عليه الوحي بخبر المسجد، فبعث إليه مالك بن الدخثم أخا بني سالم بن عوف ومعن بن عدي أو أخاه عامر بن عدي فهدماه وحرقاه، وأنزل الله فيه: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة:107 - 108] روى الإمام أحمد وابن خزيمة وغيرهما عن عويم بن ساعدة الأنصاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتاهم في مسجد قباء فقال: «إن الله أحسن عليكم الثناء بالطهور في قصة مسجدكم، فما هذا الطهور؟» * فقالوا: والله يا رسول الله ما نعلم شيئاً إلاّ أنه كان لنا جيران من اليهود فكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط فغسلنا كما غسلوا. وفي رواية عن جابر
* أخرجه أحمد (15463) ، وابن خزيمة (83) ، والطبراني (17/ 348) ، والحاكم (1/ 155) . قال الدكتور محمد مصطفى الأعظمي: إسناده ضعيف.
وأنس: «هو ذاك فعليكموه» .رواه ابن ماجه وابن أبي حاتم والدارقطني والحاكم*.
قوله: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} قال أبوالعالية: إن الطهور بالماء لحسن، ولكنهم المتطهرون من الذنوب. فنهى اللهُ رسولَه - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة فيه وحثََّه على الصلاة في مسجد قباء الذي أُسس من أول يوم بُني على التقوى وهي طاعة الله ورسوله وجمعاً لكلمة المسلمين، ومعقلاً للإسلام وأهله.
قال ابن كثير [التفسير 4/ 216] : «وفيه دليل على استحباب الصلاة مع الجماعة الصالحين المتنزهين عن ملابسة القاذورات، المحافظين على إسباغ الوضوء» وفيه: إثبات المحبة. قاله في «الشرح» **.
وقد جاء في الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يزور قباء راكباً وماشياً، وجاء فيه أيضاً أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: صلاة في مسجد قباء كعمرة.
وقد ذهب جماعة من السلف منهم: ابن عباس، وعروة، وعطية، والشعبي، وغيرهم إلى أن المسجد المذكور في الآية هو مسجد قباء ويؤيّده قوله تعالى: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} . قاله في «فتح المجيد» ***. وقيل: هو مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحديث أبي سعيد الذي رواه مسلم قال: تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم، فقال أحدهما: هو مسجد قباء. وقال الآخر: هو مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «هو مسجدي هذا» ***، وهو قول عمر وابنه وزيد بن ثابت وغيرهم.
قال ابن كثير [التفسير 4/ 214] : «وهذا صحيح ولا منافاة بين الآية والحديث؛
* أخرجه ابن ماجه (355) ، والدارقطني (1/ 62) ، والحاكم (1/ 55) و (2/ 334) . وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (1/ 128) رقم (290) .
** (ص/161) .
أخرجه مسلم (1398) بنحوه.