أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «دخل الجنة رجل في ذباب، ودخل النار رجل في ذباب. قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: «مرَّ رجلان على قوم لهم صنمٌ لا يَجُوزُه أحدٌ حتى يقرِّب له شيئاً. فقالوا لأحدهما: قرِّب. قال: ليس عندي شيء أقرِّب. قالوا: قرِِّب ولو ذباباً، فقرب ذباباً فخلوا سبيله فدخل النار. وقالوا للآخر: قَرِّب. فقال: ما كنت لأقرِّب لأحدٍ شيئاً دون الله -عز وجل- فضربوا عنقه، فدخل الجنة» [1]
(1) فروايته عنه مرسل صحابي وهو مقبول على الراجح، وكانت وفاته على ما جزم به ابن حبان سنة ثلاث وثمانين «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» قال: «دخل الجنة رجل في ذباب، ودخل النار رجل في ذباب» أي من أجله وبسببه، قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله؟ كأنهم تقالوا ذلك؛ لأن الجنة لا يدخلها أحدٌ إلا بالأعمال الصالحة، والنار لا يدخلها أحدٌ إلا بالأعمال السيئة، واحتقروا الذباب، فتعجبوا من ذلك فبيَّن لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ما صَيَّر هذا الأمر الحقير عظيماً يستحق هذا عليه الجنة، ويستحق هذا عليه النار. «فقال: مرَّ رجلان على قوم لهم صنم» والصنم ما كان منحوتاً على صورة ويعلق عليه الوثن.
قوله: «لا يجاوزه - أي لا يمر - به أحدٌ حتى يقرِّب له شيئاً. فقالوا لأحدهما: قرِّب. قال: ليس عندي شيء أقرِّب. قالوا: قرِِّب ولو ذباباً، فقرب ذباباً فخلوا سبيله فدخل النار. وقالوا للآخر: قِّرب. فقال: ما كنت لأقرِّب لأحدٍ شيئاً دون الله - عز وجل - فضربوا عنقه، فدخل الجنة» *. وفي هذه القصة العظيمة وهي قصة الذباب أنه دخل النار بسبب الذباب الذي لم يقصده بل فعله تخلّصاً من شرهم وأنه مسلم قبل تقريب الذباب؛ لأنه لو كان كافراً لم يقل دخل النار في ذباب.
وفيه: أن عمل القلب هو المقصود الأعظم حتى عند عبدة الأوثان.
قال المصنف رحمه الله: وفيه بيان عظم الشرك ولو في شيء يسير حقير، فكيف بمن يستسمن الإبل والبقر والغنم ويقرّبها لغير الله من ميت أو غائب أو طاغوت
* أخرجه أحمد في الزهد (ص/25) عن طارق بن شهاب عن سلمان الفارسي موقوفاً بسند صحيح، وأبونعيم في الحلية (1/ 203) .
أو مشهد أو غير ذلك، وقد عمَّت البلوى بهذا في الأمصار وما هو أعظم منه، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
وفيه: معرفة قدر الشرك في قلوب المؤمنين كيف صبر على القتل ولم يوافقهم على طلبتهم مع كونهم لم يطلبوا إلا العمل الظاهر.
وفيه: شاهد للحديث الصحيح «الجنة أقرب إلى أحدكم من شِراك نعليه، والنار مثل ذلك» *. قاله المصنف رحمه الله تعالى.
* ... أخرجه البخاري (4688) .