فهرس الكتاب
الصفحة 111 من 358

لا أُغني

عنكِ من الله شيئاً».

16 -باب قول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [1]

(1) قوله: «باب قول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} أراد المصنف رحمه الله تعالى بالترجمة بهذه الآية بيان حال الملائكة الذين هم أقوى وأعظم من عُبد من دون الله وأقربهم منه منزلة، فإذا كانت هذه هيبتهم وخوفهم من الله عند سماعهم لكلامه فكيف يُدعَون من دونه وهم لا يملكون شيئاً لمن دعاهم، وإذا كان لا يملكون شيئاً فغيرهم من الأنبياء والأولياء أولى أن لا يُدعى، ففيها ردٌّ على جميع فرق المشركين الذين يدعون من لا يداني الملائكة في صفة من صفاتهم، وهذه الآية مرتبطة بما قبلها، وهي قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} أي زال عنها الفزع.

قاله ابن عباس وغيره {قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} الآية.

قال أبوحيان: «تظاهرت الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن قوله: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} إنما هي في الملائكة، إذا سمعوا الوحي إلى جبريل وأمر الله تعالى له، سمعت كجرِّ السلسلة الحديد على الصفوان فتفزع عند ذلك تعظيماً وهيبةً.

قال: «وبهذا المعنى من ذكر الملائكة مشار إليهم من أول قوله: {الَّذِينَ زَعَمْتُمْ} لم تتصل له هذه الآية بما قبلها» . انتهى.

قال ابن جرير [التفسير 22/ 90] : «قال بعضهم: الذين فُزِّع عن قلوبهم الملائكة، قالوا: وإنما فُزِّع عن قلوبهم من غشية تصيبهم عند سماع كلام الله عز وجل» .

قال ابن كثير [التفسير 6/ 503] : «وهو الحق الذي لا مرية فيه لصحة الأحاديث فيه والآثار» . انتهى.

وفي الآية: الرد على من زعم أن كلام الله مخلوق وعلى القائلين بالكلام النفسي، وقد كان المشركون يعبدون الملائكة ويزعمون أنهم بنات الله تعالى وتقدس، ويقولون: نعبدهم ليقربونا إليه ويشفعوا لنا عنده كما أخبر الله عنهم في قوله: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ} [سبأ:40] ، وقال تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} [الزخرف:19] ، وقال تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ * وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 26 - 29] ، فلذا يقول تعالى: قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يدعون الملائكة {ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأرْضِ} يستقلون به، والذَّرة قيل إنها صغار النمل، وقيل إنها الهباء الذي يرى في الكُوَّة إذا نزلت الشمس معها.

وقوله: {وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ} أي: لا يملكون مثقال ذرة يستقلون به ولا على طريق المشاركة.

وقوله: {وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} والظهير: المعين.

وقوله: {وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} ، وهذه الآية تقطع عروق الشرك بأمور أربعة:

الأول: أنهم لا يملكون مثقال ذرة مع الله، والذي لا يملك مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض لا ينفع ولا يضر.

الثاني: قوله: {مَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ} أي في السموات والأرض.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام