26 -باب ما جاء في الكهان ونحوهم [1]
روى مسلم في صحيحه عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - [2] عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أتى عرَّافاً [3] فسأله عن شيء فصدَّقه، لم تُقْبَل له صلاةٌ أربعين يوماً [4] » .
(1) قوله: «باب ما جاء في الكهان ونحوهم» قال في «النهاية» [4/ 186] : الكاهن الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان ويدّعي معرفة الأسرار، فمنهم من كان يزعم أن له تابعاً من الجن ورَئيَّاً يُلقي إليه الأخبار، ومنهم من كان يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأله أو فعله أو حاله، وهذا يخصونه بالعرّاف، كالذي يدّعي معرفة الشيء المسروق ومكان الضالّة ونحوهما». «والكهّان الذين يأخذون عن مسترق السمع موجودون اليوم لكنهم قليل بالنسبة لما كانوا عليه في الجاهلية؛ لأن الله حرس السماءَ بالشهب» . قاله في «الشرح» *. وأكثر ما يقع في هذه الأمة: ما يخبر به الجنُ أولياءَهم من الإنس عن الأشياء الغائبة مما يقع في الأرض من الأخبار، فيظنه الجاهل كشفاً وكرامة، وقد اغترَّ بذلك كثير من الناس، يظنون المخبرُ لهم بذلك عن الجن وليّاً لله، وهو من أولياء الشيطان. قاله في «فتح المجيد» **.
(2) قوله «روى مسلم في صحيحه عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -» وهي حفصة بنت عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - ذكره أبومسعود الثقفي؛ لأنه ذكر هذا الحديث في الأطراف في مسندها.
(3) قوله: «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من أتى عرّافاً» وسيأتي بيان العراف.
(4) قوله: «فسأله عن شيء فصدّقه لم تُقبل له صلاة أربعين يوماً» *** قال في
* ... انظر: (ص/346) .
*** أخرجه مسلم (2230) ، و أحمد (4/ 68) (5/ 380) .
«الشرح» *: ليس في رواية مسلم «فصدقه» وظاهر الحديث أن الوعيد مرتب على مجيئه وسؤاله سواء صدّقه أو شكّ في خبره، فإن في بعض روايات الصحيح «من أتى عرّافاً فسأله عن شيء لم تُقبل له صلاةٌ أربعين ليلة» **. قال النووي وغيره: معناه لا ثواب له فيها، وإن كانت مجزئة بسقوط الفرض عنه. ولابد من هذا التأويل في هذا الحديث، فإن العلماء متفقون على أنه لا يلزم من أتى العرّاف إعادة صلاة أربعين ليلة. انتهى ملخصاً.
قلت: وفي هذا التأويل الذي ذكره نظر؛ لحديث عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار» ***. رواه أبوداود، والأصل في نفي القبول نفي الصحة إلا بدليل، وإذا لم تكن صحيحة لم تكن مجزئة.
وفي الحديث النهي عن إتيان الكهّان ونحوهم. قال القرطبي: «يجب على من قدر على ذلك من محتسب وغيره أن يقيم من يتعاطى شيئاً من ذلك من الأسواق وينكر عليهم أشدّ النكير وعلى من يجيء إليهم، ولا يغترّ بصدقهم في بعض الأمور ولا بكثرة من يجيء إليهم ممن ينتسب إلى العلم فإنهم غير راسخين في العلم، بل من الجهّال بما في إتيانهم من المحذور» .