وله عن إبراهيم قال: كانوا يكرهون التمائمَ كلها، من القرآن وغير القرآن.
وقول الله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى} الآيات [2]
(1) قوله: «باب من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما» كبقعة وقبر ومشهد ونحو ذلك و «من» اسم شرط والجواب محذوف تقديره فقد أشرك. يقال: تبرك يتبرك تبركاً إذا طلب البركة أو رجاها أو اعتقدها.
والبركة: نوعان:
أحدهما: بركة هي وصف الرب تعالى تضاف إليه إضافة الرحمة والعزة والفعل، منها تبارك قال تعالى: {تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:54] ، {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك: 1] .
والثاني: بركة هي فعل الرب تعالى وتقدّس، والفعل منها بارك ويتعدى بنفسه تارة وبأداة (على) تارة وبأداة (في) تارة، والمفعول منها مبارك وهو ما جعل منها كذلك، وكان مباركاً بجعله تعالى، يقال: بارك يبارك بركة، قال تعالى: {وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} [فصلت:10] وقال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [الإسراء:1] وقال الشاعر:
على أي شق كان في الله مصرعي ... ولست أبالي حين أُقتل مسلماً
يبارك على أوصال شِلوٍ ممزّع ... وذلك في ذات الإله وإن يشأ
(2) قوله: «وقول الله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأخْرَى} [النجم:19 - 20] قال القرطبي: «إن فيها حذفاً تقديره: أفرأيتم هذه الآلهة هل نفعت أو ضرَّت حتى تكون شركاء لله» . والشاهد من الآيات للترجمة أن أهل الجاهلية إنما عبدوا هذه الأوثان وعظّموها لما يعتقدونه ويرجونه ويؤمِّلونه من بركتها
وشفاعتها، وهذا هو الذي يقصده مشركو أزماننا ممن عبدوه سواء بسواء. فالتبرك بالمشايخ وقبور الصالحين كالتبرك باللاّت، والتبرك بالأشجار كالتبرك بالعُزَّى،
والتبرك بالأحجار كالتبرك بمناة، وهذه الأوثان الثلاثة من أعظم أوثان أهل الجاهلية من أهل الحجاز، فـ «اللاّت» كانت لأهل الطائف ومن حولهم من العرب، و «العزى» كانت لقريش وبني كنانة، و «مناة» لبني هلال. وقال ابن هشام: كانت لهذيل وخزاعة. و «اللات» بتخفيف التاء في قراءة الجمهور وقرأ ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وغيرهم بتشديد التاء، فعلى الأول قال الأعمش: سموا اللات من الإله، والعزى من العزيز، ومناة من المنان. واللات كانت صخرة بيضاء منقوشة عليها بيت بالطائف له استار وسدنة وهم بنو مغيث. قاله ابن كثير، وحوله فناء معظم عند أهل الطائف وهم ثقيف يفتخرون بها على من عداهم من أحياء العرب بعد قريش. قال ابن هشام: وعلى قراءة التشديد كان رجلاً يلتُّ السويق للحاج، فمات، فعكفوا على قبره. ذكره البخاري.
وروى الفاكهي عن ابن عباس أن اللات لما مات قال لهم عمرو بن لحيّ: إنه لم يمت ولكنه دخل في الصخرة فعبدوها وبنو عليها بيتاً وكانت في موضع مسجد الطائف، فلما أسلمت ثقيف بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المغيرة بن شعبة فهدمها وحرقها بالنار.
وفيه: أن أهل الجاهلية كانوا يعبدون الصالحين مع عبادتهم الأصنام. قاله في «فتح المجيد» *.
وأما العزى فقال ابن جرير: كانت شجرة عليها بناء وأستار بنَخْلَةَ بين مكة والطائف كانت قرش يعظّمونها.
وعن أبي الطفيل قال: لما فتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة بعث خالد بن الوليد إلى نخلة وكانت بها العزى، فأتاها خالد وكانت على ثلاث سَمُرات فقطع السَمُرات وهدم البيت الذي كان عليها، ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره فقال: «ارجع فإنك لم تصنع شيئاً» فرجع خالد، فلما أبصرته السدنة وهم حجبتها أمعنوا في الجبل وهم يقولون: يا عزى! يا عزى!؛ فأتاها خالد فإذا امرأة ناشرة شعرها تحفن التراب على رأسها