قول الله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [1]
(1) قوله: «باب قول الله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} أراد المصنف رحمه الله بالترجمة بهذه الآية أن يبيِّن أن أهل القرى المكذبين للرسل إنما حملهم على ذلك الأمن من مكر الله بهم وعدم خوفهم منه، فالأمن من مكر الله من أعظم الذنوب المنافية لكمال التوحيد، ودليل على ضعف الإيمان، فمن أمن مكر الله لم يُبال بما ترك من الواجبات وما فعل من المحرمات لعدم خوفه من الله، بل يجب على الإنسان في هذه الحياة أن يجمع بين الخوف والرجاء، ولهذا عقب الآية التي ترجم بها بقوله: {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّالُّونَ} فلا يغلب عليه الرجاء حتى يوجب له الامن من مكر الله ولا يغلب عليه الخوف حتى يقنط من رحمة الله بل يتساوى خوفه ورجاؤه وهذا مقام الأنبياء والصدِّيقين كما قال تعالى: {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} [الإسراء:57] .
ولهذا يقال الخوف والرجاء بمنزلة الجناحين للطائر، وأما عند الموت والانتقال إلى الدار الآخرة فيغلب الرجاء لما في الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ، ذكرته في ملأ خير منهم» *. وفي الحديث: «إذا رأيتَ الله يعطي العبدَ على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج» ** قال تعالى: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} [الأعراف:182] ، وقال تعالى: أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ *
* أخرجه البخاري (7405) ، ومسلم (2675) .
** أخرجه أحمد (4/ 145) ، وابن جرير الطبري في تفسيره رقم (13240، 13241) . قال الألباني: «صحيح» . انظر: صحيح الجامع (1/ 158) رقم (561) .