النهي عن سَبِّ الريح [1]
عن أُبيّ بن كعب - رضي الله عنه - [2] أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تَسُبُّوا الريحَ [3] ، فإذا
رأيتم ما تكرهون [4]
(1) قوله: «باب النهي عن سب الريح» أي لأنها مأمورة، فسبُّها مسبَّةٌ لآمرها فيكون إذاً لله كمسبة الدهر، وهو من أفعال أهل الجاهلية.
(2) قوله: «عن أبيّ بن كعب» أي ابن عبيد بن زيد بن معاوية بن قيس بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي أبوالمنذر، صحابي جليل، وكان من قرّاء الصحابة وعلمائهم، وله مناقب مشهورة، منها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: «إن الله أمرني أن أقرأ عليك {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} . قال: وسمَّاني؟. قال: «نعم» ، فبكى أُبيّ *. قال الهيثم بن عدي: مات سنة تسع عشرة، وقال خليفة بن خياط في سنة اثنتين وثلاثين. يُقال مات فيها أبيّ بن كعب، ويُقال: مات في خلافة عمر. وقيل غير ذلك، - رضي الله عنه -، «أن رسول الله قال: «لا تسبُّوا الريح، فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها، وخير ما أُمرت به، ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها، وشر ما أُمرت به» **. صححه الترمذي.
(3) قوله «لا تسبُّوا الريح» أي لا تشتموها ولاتلعنوها، فإنها مأمورة فلا يجوز سبها، بل تجب التوبة عند التضرر بها وهو تأديب من الله لعباده وتأديبه رحمةٌ للعباد، فلهذا جاء في حديث أبي هريرة مرفوعاً: «الريح من روح الله تأتي بالرحمة وبالعذاب، فلا تسبُّوها، ولكن سلوا اللهَ من خيرها، وتعوّذوا بالله من
* أخرجه البخاري (65) ، ومسلم (44) .
** أخرجه أحمد (5/ 123) ، والترمذي (2252) ، والنسائي في عمل اليوم والليلة (933، 934) ، قال الألباني: صحيح، انظر: الصحيحة (2756) .
(4) شرها» *. رواه أحمد وأبوداود وابن ماجه.
قوله: «فإذا رأيتم ما تكرهون» أي من الريح، إما شدة حرها أو بردها، أو قوتها فارجعوا إلى ربكم بالتوحيد وقولوا: «اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أُمرت به، ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها، وشر ما أُمرت به» ** ففي هذا عبودية لله وطاعة ولرسوله واستدفاعٌ للشر، وتعرُّضٌ لفضله ونعمته، وهذه حال أهل التوحيد والإيمان خلافاً لحال أهل الفسوق والعصيان الذين حُرموا ذوق طعم التوحيد الذي هو حقيقة الإيمان.
وفيه: النهي عن سب الريح، والإرشاد إلى الكلام النافع إذا رأى الإنسان ما يكره، والإرشاد إلى أنها مأمورة، وأنها قد تُؤمر بخير وقد تُؤمر بشر. قاله المصنف رحمه الله تعالى.
* أخرجه أبوداود (5097) ، وابن ماجه (3727) بسند جيد كما قال النووي وصححه غيره. انظر: صحيح سنن أبي داود (3/ 960) رقم (4250) .
** أخرجه الترمذي (2253) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأحمد (5/ 123) . قال الألباني: ضعيف. انظر: ضعيف سنن الترمذي (ص/459) رقم (702) .