فقال: «أنت منهم» [1] . ثم قام رجلٌ آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم. فقال: «سبقك بها عُكاشة» [2] .
(1) سأل الدعاء أولاً فدعا له، ثم استفهم هل أجيب فأخبره».
وقوله: «أنت منهم» علم من أعلام النبوة. وفيه فضيلة عكاشة، قاله المصنف رحمه الله.
(2) قوله: «ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم؟ فقال: سبقك بها عُكاشة» . قال بعضهم: أي سبقك إلى إحراز هذه الصفات، أي التوكل وما ذكر معه.
وقال القرطبي: «لم يكن عند الثاني من الأحوال ما كان عند عكاشة فلذا لم يجبه؛ إذ لو أجابه لجاز أن يطلب ذلك من كان حاضراً فيتسلسل الأمر فسَدَّ الباب بذلك» .
وفيه: استعمال المعاريض، وحسن خلقه - صلى الله عليه وسلم -. قاله المصنف رحمه الله تعالى.
أورد المصنف هذا الحديث غير معزوٍ، وقد رواه البخاري مختصراً ومطولاً، ومسلم واللفظ له وللترمذي والنسائي.
(3) قوله: «باب الخوف من الشرك» لما كان الشرك أعظم الذنوب عند الله لأنه هضمٌ لجناب الربوبية وتنقّص للإلهية وسوء ظن برب العالمين سبحانه، رتَّب عليه من عقوبات الدنيا والآخرة ما لم يرتب على ذنب سواه من إباحة دماء أهله، وأموالهم، وسبي نسائهم وأولادهم، وعدم مغفرته من بين الذنوب إلاّ بالتوبة منه والإقلاع عنه.
فنيّةُ المؤلفِ رحمه الله بهذه الترجمة على أنه ينبغي للموحّد أن يخاف منه ويحذره ويعرف أسبابه ووسائله وأنواعه لئلا يقع فيه وهو لا يشعر، ولذا قال حذيفة بن اليمان: كان الناس يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه*. رواه البخاري.
لأن من لا يعرف الشر إما أن يقع فيه، وإما أن لا ينكره، ولهذا قال عمر ابن الخطاب - رضي الله عنه: إنما تُنقض عُرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية.
قال شيخ الإسلام: «وهو كما قال عمر، فإن كمال الإسلام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتمام ذلك الجهاد في سبيل الله، ومن نشأ في المعروف فلم يعرف غيره فقد لا يكون عنده من العلم بالمنكر وضرره ما عند من عَلِمَه، ولا يكون عنده من الجهاد لأهله ما عند الخبير بهم، ولهذا كان الصحابة أعظم إيماناً وجهاداً ممن بعدهم؛ لكمال معرفتهم بالخير والشر، وكمال محبتهم للخير وبغضهم للشر» . انتهى ملخصاً.
وقال أيضاً: «والمشركون الذين وصفهم الله بالشرك أصلهم صنفان: قوم نوح وقوم إبراهيم.
فقوم نوح: أصل شركهم العكوف على قبور الصالحين ثم صوّروا تماثيلهم ثم عبدوهم.
وقوم إبراهيم: كان أصل شركهم عبادة الكواكب والشمس والقمر، وكل من
* ... أخرجه البخاري (3606، 7084) .