فهرس الكتاب
الصفحة 198 من 358

29 -باب ما جاء في التنجيم [1]

قال البخاري في صحيحه: قال قتادة: خلقَ اللهُ هذه النجومَ لثلاث: زينةً للسماء، ورُجوماً للشياطين، وعلاماتٍ يُهتدى بها. فمن تأوَّل فيها غير ذلك أخطأ وأضاع نصيبَه، وتكلَّف ما لا علمَ له به [2] .

(1) قوله: «باب ما جاء في التنجيم» التنجيم: هو الاستدلال بالأحوال الفلكية، على الحوادث الأرضية. قاله شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله تعالى [الفتاوى 35/ 192] . واعلم أن التنجيم مما ينافي التوحيد ويوقع في الشرك؛ لأنه ينسب الحوادث إلى غير من أحدثها وهو الله سبحانه. قاله في «قرة العيون» *. وقال الخطابي [معالم السنن 4/ 230] : «علم التنجيم المنهي عنه هو ما يدعيه أهل التنجيم من علم الكائنات والحوادث التي لم تقع وستقع في مستقبل الزمان، كأوقات هبوب الرياح ومجيء المطر وتغير الأسعار وما في معنى ذلك من الأمور التي يزعمون أنهم يدركون معرفتها بمسير الكواكب في مجاريها واجتماعها وافتراقها، ويدّعون أن لها تأثيراً في السفليات، وأنها تجري على قضايا موجباتها، وهذا منهم تحكّم على الغيب وتعاطٍ لعلم قد استأثر الله به لا يعلمه سواه» . انتهى. ولا ريب في تحريم ذلك، واختلف المتأخرون في تكفير القائل بذلك، وينبغي القطع بكفره؛ لأنها دعوى لعلم الغيب الذي استأثر الله بعلمه بما لا يدل عليه.

(2) قوله: «قال البخاري في صحيحه: قال قتادة: خلقَ اللهُ هذه النجومَ لثلاث: زينةً للسماء، ورُجوماً للشياطين، وعلاماتٍ يُهتدى بها. فمن تأوَّل فيها غير ذلك أخطأ وأضاع نصيبَه، وتكلَّف ما لا علمَ له به» هذا الأثر علّقه البخاري في صحيحه بصيغة الجزم، وأخرجه عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وغيرهم، وأخرجه الخطيب في كتاب النجوم، ولفظه: قال إنما جعل الله هذه

* ... (ص/157) .

النجوم لثلاث خصال: جعلها زينة للسماء، وجعلها يُهتدى بها، وجعلها رجوماً للشياطين، فمن تعاطى فيها غير ذلك فقد قال برأيه وأخطا حظه وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به. وإن ناساً جهلة بأمر الله قد أحدثوا في هذه النجوم كهانة، من أعرس بنجم كذا وكذا كان كذا وكذا، ومن سافر بنجم كذا وكذا كان كذا وكذا، ولعمري ما من نجم إلا يُولد فيه الأحمر والأسود والطويل والقصير والحسن والدميم، وما علم هذه النجوم وهذه الدابة وهذا الطائر بشيء من الغيب، ولو أن أحداً علم الغيب لعلمه آدم الذي خلقه الله بيده، وأسجد له ملائكته وعلّمه أسماء كل شيء». انتهى. قال في «قرة العيون» *: «وقول قتادة هذا يدل على أن علم التنجيم هذا قد حدث في عصره فأوجب له إنكاره على من اعتقده» .

قلت: بل علم التنجيم كان معروفاً في زمن الجاهلية، يدل على هذا حديث أبي مالك الأشعري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أربع في أمتي من أمر الجاهلية .. » ** وذكر منها الاستسقاء بالنجوم، أي نسبة المطر إلى النوء، [و] حديث زيد بن خالد الجهني الذي فيه: «أصبح من عبادي مؤمنٌ بي وكافر» ***، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد» رواه أبوداود وإسناده صحيح.

وقول ابن عباس في الذين يكتبون أباجاد وينظرون في النجوم: ما أرى من فعل ذلك له عند الله من خلاق.

وقوله: «خلق الله هذه النجوم لثلاث: زينة للسماء، ورجوماً للشياطين» كما

* (ص/158) .

** أخرجه مسلم (934) .

*** أخرجه البخاري (846) ، (1038) و (4147) و (7503) ، ومسلم (71) .

تقدم تخريجه (ص/216) .

قال تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} [الملك:5] ، قال في «فتح المجيد» *: «وفيه إشارة إلى أن النجوم في السماء الدنيا، كما روى ابن مردويه عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «أما السماء الدنيا فإن الله خلقها من دخان، وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وزيّنها بمصابيح، وجعلها رجوماً للشياطين وحفظاً من كل شيطان رجيم» **.

وقوله: «وعلامات يُهتدى بها» أي دلالات على الجهات لا على الحوادث كما قال تعالى: {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل:16] ، وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الأنعام:97] أي لتعرفوا بها جهة قصدكم، وليس المراد أنه تهتدي بها في علم الغيب كما يزعمه أهلُ النجامة، وقال تعالى: {وَأَلْقَى فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل:15 - 16] روى ابن جرير عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قوله {وَعَلامَاتٍ} معطوف على ما تقدم مما ذكره في الأرض ثم استأنف فقال: {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} انتهى بمعناه.

وقوله: «فمن تأوّل فيها غير ذلك» أي زعم فيها غير ما ذكر الله في كتابه من هذه الثلاث فقد أخطأ حيث زعم شيئاً ما أنزله الله به من سلطان وأضاع نصيبه من كل خير؛ لأنه شغل نفسه بما يضره ولا ينفعه، وفيه الحكمة في خلق النجوم، والردّ على من زعم غير ذلك. قاله المصنف رحمه الله تعالى. وقد جاءت الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنهي عن التنجيم كحديث ابن عباس الذي رواه أبوداود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من اقتبس شعبةً من النجوم فقد اقتبس شعبةً من السحر، زاد ما زاد» ***.

** انظر: الدر المنثور (3/ 328) .

*** تقدم تخريجه (ص/216) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام