[الشعراء: 214] فقال: «يا معشر قريش [1] -أو كلمةً نحوها [2] - اشتروا أنفسَكم [3] ، لا أغني عنكم من الله شيئاً [4] ، يا عباسُ بنَ عبدِالمطلب [5] لا أغني عنكَ من الله شيئاً، يا صفيَّةُ عمةَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا أُغني عنكِ من الله شيئاً، ويا فاطمةُ بنتَ محمد، سليني من مالي ما شئتِ [6]
(1) قوله: «فقال: يا معشر قريش» المعشر: كمسكن الجماعة، وفي صحيح البخاري «يا بني عبد مناف» .
(2) وقوله: «اشتروا أنفسَكُم» أي بتوحيد الله وإخلاص العبادة له وحده لا شريك له، وطاعته فيما أمر به والانتهاء عمّا نهى عنه، فإن ذلك هو الذي ينجي من عذاب الله، لا الاعتماد على الأنساب والأحساب، فإن ذلك غير نافع عند رب الأرباب.
(3) قوله: «أو كلمةً نحوها» هو بنصب كلمة عطفاً على ما قبله.
(4) وقوله: «لا أغني عنكم من الله شيئاً» فيه حُجَّةٌ على من تعلّق على الأنبياء والصالحين؛ ليشفعوا له وينفعوه، أو يدفعوا عنه، فإن هذا هو الشرك الذي حرَّمه الله، وأمر نبيه بالإنذار عنه. قاله في «فتح المجيد» *.
(5) قوله: «يا عباس بن عبدالمطلب» بنصب ابن، ويجوز في عباس الرفع والنصب، كذا في قوله «يا صفية عمة رسول الله، ويا فاطمة بنت محمد» .
(6) قوله: «سَلِيني من مالي ما شئتِ» أي الذي أنا أملكه «لا أغني عنك من الله شيئاً» ** بيَّنَ - صلى الله عليه وسلم - أنه لا ينجي من عذاب الله إلا الإيمان والعمل الصالح، وهذا نفي لماعسى أن يتوهموه من أنه يغني عنهم من الله شيئاً بشفاعته، فإذا كان لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً كما أخبر الله عنه بقوله: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الأعراف: 188] الآية بل ولا يدفع عن نفسه عذاب الله لو عصاه: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأنعام:15] فكيف يملك لغيره نفعاً أو ضراً؟ أو يدفع عنه عذاب الله؟! .. وأما شفاعته في بعض العصاة فهو أمرٌ من الله له ابتداءً فضلاً عليه وعليهم لا أنه يشفع من تلقاء نفسه فيمن يشاء.
وفيه: جِدُّه - صلى الله عليه وسلم - لما أنزل عليه {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ} بحيث فعل ما نسب
** أخرجه البخاري (2753) ، و (3537) و (4771) ، ومسلم (206) .
بسببه إلى الجنون وكذلك لو يفعله مسلم الآن، وقوله: للأبعد والأقرب «لا أغني عنك من الله شيئاً» فإذا صرح وهو سيد المرسلين أنه لا يغني شيئاً عن سيدة نساء العالمين وآمن الإنسان أنه لا يقول إلا الحق ثم نظر فيما وقع في قلوب خواص الناس الآن تبيَّن له التوحيد وغربة الدين. قاله المصنف رحمه الله تعالى.