[الأنفال:64] .
{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3] .
عن ابن عباس قال: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [1]
(1) يشركوا بينه وبين رسوله، فكيف يُشرك بينه وبينهم في حسْب رسوله - صلى الله عليه وسلم -؟ هذا من أمحل المحال وأبطل الباطل». انتهى.
وبهذا يتبيّن مطابقة الآية للترجمة. فإذا كان هو الكافي لعبده وجب أن لا يتوكل إلا عليه ومتى التفت إلى سواه وَكَلَه الله إلى من التفت إليه. وفيه: معرفة تفسير آية آخر الأنفال. قاله المصنف رحمه الله تعالى.
وقوله: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى [زاد المعاد 1/ 38 - 39] : « {فَهُوَ حَسْبُهُ} أي كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدو، ولا يضره إلا أذى لابد منه كالحر والبرد والجوع والعطش، وأما أن يضره بما يبلغ به مراده فهذا لا يكون أبداً.
قال بعض السلف: جعل الله لكل عمل جزاء من نفسه، وجعل جزاء التوكل عليه نفس كفايته فقال: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} أي كافيه، فلم يقل: فله كذا وكذا من الأجر كما قال في الأعمال، بل جعل الله سبحانه نفسه كافي عبده المتوكل عليه وحسبه وواقيه، فلو توكل العبدُ على الله حق توكله وكادته السمواتُ والأرضُ ومن فيهن لجعل الله له مخرجاً وكفاه ونصره». انتهى.
وفي الآية دليل على فضل التوكل وأنه أعظم الأسباب في جلب المنافع ودفع المضار؛ لأن الله تعالى علق الجملة الأخيرة على الأولى تعليق الجزاء على الشرط فيمتنع أن يكون وجود الشرط كعدمه لأنه تعالى رتّب الحكم على الوصف المناسب له فعلم أن توكّله هو سبب كون الله حَسْباً له. ذكره شيخ الإسلام رحمه الله. وفيها: تنبيه على القيام بالأسباب مع التوكل، فالتوكل بدون القيام بالأسباب المأمور بها عجزٌ.
وفيه: معرفة تفسير آية الطلاق. قاله المصنف رحمه الله تعالى.
قوله: «وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} قالها إبراهيم عليه السلام حين أُلقيَ في النار، وقالها محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - حين قالوا له: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} رواه البخاري والنسائي» *. وفي رواية ابن عباس قال: كان آخر قول إبراهيم عليه السلام حين أُلقي في النار: حسبنا الله ونعم الوكيل. رواه البخاري.
وقوله: {حَسْبُنَا اللَّهُ} أي كافينا فلا نتوكل إلا عليه.
وقوله: {وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} أي نعم الموكول إليه، ومخصوص «نعم» محذوف تقديره «هو» ، قال ابن القيم [طريق الهجرتين (331) ] : «هو حسب من توكّل عليه وكافي من لجأ إليه وهو الذي يؤمن خوف الخائف ويجير المستجير، فمن تولاّه واستنصر به وتوكل عليه تولاّه وحفظه، ومن خافه واتقاه أمنه مما يخاف ويحذر» . انتهى. قال شيخ الإسلام [الفتاوى 1/ 183] : «وما يُروى أن الخليل لما أُلقي في المنجنيق قال [له] جبريل: سَلْ؟ قال: «حسبي من سؤالي علمه بحالي» . ليس له إسناد معروف، وهو باطل. وقد رُوي أن جبريل عليه السلام قال: هل من حاجة؟ قال: «أما إليك فلا» . وقد ذكر هذا الأثر الإمام أحمد وغيره. وأما سؤال الخليل لربه عز وجل فهذا مذكور في القرآن في غير موضع فكيف يقول: حسبي من سؤالي علمه بحالي، والله بكل شيء عليم، وقد أمر العباد أن يعبدوه ويتوكّلوا عليه ويسألوه؛ لأن الله سبحانه جعل هذه الأمور أسباباً لما يرتبه عليها من إثابة العابدين وإجابة السائلين، وهو سبحانه يعلم الأشياء على ما هي عليه، فعلمه بأن هذا محتاج وهذا مذنب لا ينافي أن يأمر هذا بالتوبة والاستغفار، ويأمر هذا بالدعاء، وغيره من الأسباب التي تقضى بها حاجته، كما يأمر هذا بالعبادة والطاعة التي ينال بها كرامته». انتهى.