عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ثلاثٌ من كنّ فيه وجد بهنّ حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا
يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه، كما يكرهُ أن يُقذف في النار».
وفي رواية: «لا يجدُ أحدٌ حلاوة الإيمان حتى .. » إلى آخره [1] .
وعن ابن عباس [2]
(1) أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يُقذف في النار». قال شيخ الإسلام [الفتاوى 10/ 206] : «أخبر - صلى الله عليه وسلم - أن هذه الثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، فحلاوة الإيمان المتضمنة للذة والفرح تتبع كمال محبة العباد لله، وذلك بثلاثة أمور: تكميل هذه المحبة وتفريغها ودفع ضدها، فتكميلها: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، فإن محبة الله ورسوله لا يكتفى فيها بأصل الحب، بل لابد أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وتفريغها: أن يحب المرء لا يحب إلا لله، ودفع ضدها: أن يكره ضد الإيمان كما يكره أن يقذف في النار» . انتهى.
ويجب معرفة الفرق بين المحبة لله والمحبة مع الله، فمن أحب مخلوقاً كما يحب الله فقد جعله نداً لله، وهذه المحبة تضره ولا تنفعه، وأما من كان الله أحب إليه مما سواه وأحب أنبياءه وعباده الصالحين له فحبه لله هو أنفع الأشياء، والفرق بين هذين من أعظم الأمور. قال يحيى بن معاذ: حقيقة الحب في الله أن لا يزيد بالبر، ولا ينقص بالجفاء.
قوله: «وفي رواية: لا يجد أحدٌ حلاوة الإيمان حتى ... » إلى آخره» هذه الرواية ذكرها البخاري في «الأدب المفرد» من صحيحه ولفظه: «لا يجد أحدٌ حلاوة الإيمان» . قال النووي: «معنى حلاوة الإيمان: استلذاذ الطاعات، وتحمّل المشاق، وإيثار ذلك على أغراض الدنيا» . وفيه: أن للإيمان حلاوة قد يجدها الإنسان، وقد لا يجدها. قاله المصنف رحمه الله.
(2) قوله: «وعن ابن عباس» رضي الله عنهما «قال: من أحب في الله، وأبغض في
الله، ووالى في الله، وعادى في الله، فإنما تنالُ ولايةُ الله بذلك، ولن يجد عبدٌ طعم الإيمان - وإن كثرت صلاتُه وصومُه - حتى يكون كذلك، وقد صارت عامّةُ مؤاخاة الناس على أمر الدنيا، وذلك لا يجدي على أهله شيئاً». رواه ابن جرير. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم الجملة الأولى منه فقط.
قوله: «من أحب في الله» أي أحب أهل الإيمان بالله وطاعته من أجل ذلك.
قوله: «وأبغض في الله» أي أبغض من كفر بالله وأشرك به وفسق عن طاعته وإن كان أقرب قريب إليه.
قوله: «ووالى في الله» أي والى أولياءه.
قوله: «وعادى في الله» أي عادى أهل معصيته وإن كان أقرب قريب، وجاهد أعداءه، ونصر أنصاره، وكلما قويت محبة العبد لله في قلبه قويت هذه الأعمال المترتبة عليها، وبكمالها يكمل توحيد العبد، ويكون ضعفها على قدر ضعف محبة العبد لربه، فمستقل ومستكثر ومحروم.
قوله: «فإنما تُنال ولاية الله بذلك» أي توليه لعبده. ولاية بفتح الواو لا غير الأخوة والنصرة والمحبة، وبالكسر الإمارة والمراد هنا الأول. قاله في «فتح المجيد» *، ولمحبة الله شروط ذكرها العلاّمة ابن القيم في قوله [الكافية الشافية (258) ] :
شرطُ المحبةِ أن توافقَ من تحب ... على محبتهِ بلا عصيانِ
فإذا ادَّعيتَ المحبَّةَ مع خِلا ... فِكَ ما يحُب فأنتَ ذو بهتانِ
أتحب أعداءَ الحبيبِ وتدَّعِي ... حباً له ما ذاك في إمكانِ
وكذا تُعادِي جَاهِداً أحبَابَه ... أين المحبة يا أخا الشيطان
قوله: «ولن يجد عبدٌ طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك» أي